عنوان الفتوى : الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

عندي مشكلة تسبب لي كثرة التفكير و الحيرة. منذ شهرين تقريبا استطعت اجتياز امتحانات التدريس بالثانوي وأنا الآن في مدرسة تكوين الأساتذة تخصص إنجليزية. أدرس في قسم مختلط مؤلف من 15 طالب و 15 طالبة. وبعدها سيتم تعييني في إحدى الثانويات في بلادنا. هذه الثانويات بدورها مختلطة. ما يحيرني في الحقيقة أنني أعلم أن الاختلاط محرم ، وأن الرجل مأمور بغض بصره ، لكن أقول في نفسي إن بلادنا ليست كالبلاد الإسلامية الأخرى وأنه يجب على أهل الدين والاستقامة المزاحمة في هذه المناصب حتى يقطعوا الطريق على أهل البدع والمعاصي. الآن أنا لا أدري هل أنا مأجور على ما أفعل أم أن الشيطان يزين لي هذا الفعل ويوهمني أنني حريص على نشر الدعوة ونفع المسلمين وإرشادهم إلى العقيدة الصافية والمنهج السليم. أنا مقتنع بأنه لا يجوز تدريس الرجل الأجنبي للنساء بدون حائل لكن ألا يكون عملي ضروريا بحيث أن العلمانيين والصوفية وغيرهم يسيطرون على جل المجالات في البلاد؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله.

من الأمور التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر : انتشار الاختلاط في الجامعات والمستشفيات وأغلب المرافق العامة والوظائف الحكومية .

وقد سبق بيان تحريم الاختلاط والمفاسد المترتبة عليه في السؤال (1200) ، وأن الواجب على المسلم اجتناب الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة .

إلا أن البلاد التي ابتلي أهلها بوجود الاختلاط في غالب مجالات الحياة ، خاصة مراكز التعليم ، وأماكن العمل والوظائف ، بحيث صار من المشقة الكبيرة على المسلم أن ينأى بنفسه عنها ، يُرَّخص لهم ما لا يرخص لغيرهم ممن حفظهم الله من هذه الأمور .

وهذا الترخيص مبناه على القاعدة الفقهية التي تقول : " ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم ، إذا عارضتها حاجة راجحة أُبيح المحرَّم". انتهى "مجموع الفتاوى" (29/49) .

وقال: " ما كان من باب سد الذريعة إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه ، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه ". انتهى " مجموع الفتاوى" (23/214).

وقال ابن القيم : " ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة ، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل ، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر ، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم ، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة ". انتهى " إعلام الموقعين" (2 / 161).

وقال الشيخ ابن عثيمين : " وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة ". انتهى من " منظومة أصول الفقه " صـ 67.

والذي يظهر ، والله أعلم ، أن مثل هذه البلاد التي عم فيها البلاء يرخص فيها لأهلها من الدراسة والعمل مع وجود الاختلاط ، ما لا يُرخص لغيرهم كما سبق ، ولكن ذلك مشروط  بعدد من الشروط ، وهي :

أولاً : أن يسعى الإنسان بادئ الأمر للبحث عن مكان لا اختلاط فيه قدر استطاعته .

ثانياً : أن يلتزم بالأحكام الشرعية من غض البصر ، وعدم التبسط في الكلام والمحادثة ، فوق حاجة العمل أو الدراسة .

سئل الشيخ ابن عثيمين عن شاب لم يجد إلا مدرسة مختلطة ؟ فقال : " يجب عليك أن تتطلب مدرسةً ليس هذا وضعها، فإن لم تجد مدرسةً إلا بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة، فإنك تقرأ تدرس، وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة، بحيث تغض بصرك وتحفظ لسانك، ولا تتكلم مع النساء ولا تمر إليهن ". فتاوى نور على الدرب (1/103). (13/127)

ثالثاً : إذا لاحظ الإنسان أن نفسه تنزلق إلى الحرام ، وتفتتن بمن معه من النساء ، فسلامة دينه مقدمة على كل المصالح الأخرى ، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ ، ويغنيه الله عز وجل من فضله .

وللاستزادة بإمكانك مراجعة جواب السؤال (45883) (69859).