عنوان الفتوى : هل يجوز لسفيه بيع سيارته لحاجته للأموال؟
هل يجوز لسفيه بيع سيارته لحاجته للأموال؟ علمًا أنها ملكه، وهو بحاجة لهذه الأموال.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور العلماء على أن السفيه البالغ يستحق الحجر عليه، سواء بلغ سفيهًا، أم طرأ عليه السفه بعد البلوغ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: للسفه حالتان:
الأولى: استمرار السفه بعد بلوغ الإنسان، أو إفاقته من الجنون.
الثانية: طروؤه بعد البلوغ، والرشد.
أما الأولى: فقد ذهب جمهور الفقهاء، ومنهم صاحبا أبي حنيفة، إلى استمرار الحجر على السفيه، بمنعه من التصرف في ماله؛ إذ الحجر على الصبي، والمجنون متفق عليه، فإن بلغ الصبي، أو أفاق المجنون، وهما مبذران لمالهما، استمر الحجر عليهما، ومنعا من التصرف.
وأما أبو حنيفة: فإنه لا يحجر عليه بعد البلوغ، ولو بلغ غير رشيد، إلا أنه يمنع وليه من دفع ماله إليه، ولا يمنعه من أن يتصرف بماله ببيع، أو عتق، أو نحوهما، ولا يدفع إليه ماله، إلا أن يبلغ عمره خمسًا وعشرين سنة، فإذا بلغها دفع إليه ماله سفه، أو رشد.
وأما الثانية: فهي أن يبلغ الصبي، أو يفيق المجنون رشيدين، ثم يطرأ السفه عليهما بعد ذلك، فهل يحجر عليهما؟
اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب جمهور الفقهاء إلى لزوم الحجر بالسفه الطارئ، وكذا يحجر عليه عند أبي يوسف، ومحمد في الأمور التي يبطلها الهزل، لا الأمور التي لا يبطلها الهزل؛ لأن السفيه عندهما في معنى الهازل، يخرج كلامه عن نهج كلام العقلاء لاتباع الهوى، ومكابرة العقل، لا لنقصان في عقله، فكذلك السفيه، وممن قال بالحجر بالسفه الطارئ: عثمان، وعلي، والزبير، وعائشة، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، وشريح، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز الحجر عليه، ومنعه من ماله، وهو رأي زفر، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين. اهـ.
وقال ابن هبيرة: واتفقوا على أن الصبي إن بلغ لم يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد، إلا أن أبا حنيفة قال: إذا انتهت به السن إلى خمس وعشرين سنة، دفع إليه ماله بكل حال.
ثم اختلفوا فيما إذا طرأ عليه السفه بعد أن أونس منه الرشد، هل يحجر عليه أم لا؟ فقال مالك، وأحمد، والشافعي: يحجر عليه.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه، وإن كان مبذرًا.
واختلفوا هل يبدأ بالحجر على البالغ إذا كان غير رشيد، فقال مالك، والشافعي، وأحمد: يبدأ بالحجر عليه.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه، وتصرفه في ماله جائز، وإن أتلفه في حجره. اهـ.
لكن الحجر على السفيه لا يكون إلا بحكم حاكم، فلو باع السفيه البالغ قبل أن يحجر عليه، فبيعه صحيح.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء القائلين بالحجر على السفيه إلى أن الحجر عليه لا بد له من حكم حاكم، كما أن فك الحجر عنه لا بد له من حكم حاكم أيضًا؛ لأن الحجر إذا كان بحكم الحاكم لا يزول إلا به؛ ولأن الرشد يحتاج إلى تأمل، واجتهاد في معرفته، وزوال تبذيره، فكان كابتداء الحجر عليه.
وذهب محمد بن الحسن من الحنفية، وابن القاسم من المالكية، إلى أن السفيه لا يحتاج في الحجر عليه إلى قضاء القاضي؛ لأن فساده في ماله يحجره، وصلاحه فيه يطلقه، وأن علة الحجر عليه السفه، وقد تحقق في الحال، فيترتب عليه موجبه بغير قضاء، كالصبا، والجنون، وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو باع السفيه قبل قضاء القاضي، فإن بيعه جائز عند الجمهور، ولا يجوز عند محمد، وابن القاسم. اهـ.
وأما بعد الحجر على السفيه: فلا يصح بيعه دون إذن وليه، عند جمهور العلماء.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إن باع السفيه، أو اشترى شيئًا بغير إذن وليه، لا ينعقد بيعه، ولا شراؤه عند جمهور الفقهاء، وعند مالك، وأبي يوسف، ومحمد ينعقد موقوفًا على إجازة الولي والقاضي، فإن رأى في ذلك خيرًا أجازه، وإن رأى فيه مضرة رده؛ وذلك لأن تصرفه بغير إذن وليه، يفضي إلى ضياع ماله، وفيه ضرر عليه.
وإن أذن له: فعند الحنفية، والمالكية ينفذ بيعه وشراؤه، وذهب الشافعية في الأصح، والحنابلة في أحد وجهين إلى عدم صحة العقد، وذهب الشافعية في مقابل الأصح - والحنابلة في الوجه الآخر - إلى صحة عقده، ومحل الوجهين عند الشافعية إذا عين له الولي قدر الثمن، وإلا لم يصح جزمًا، ومحلهما أيضًا فيما إذا كان التصرف بعوض كالبيع، فإن كان خاليًا عنه كهبة، لم يصح جزمًا. اهـ.
وراجعي للفائدة حول تصرف السفيه الفتوى رقم:54930، والفتوى رقم: 133279.
والله أعلم.