عنوان الفتوى : مدى صحة أخبار أهل الكتاب المبشرة بالإسلام ونبيه
نجد في كتب التاريخ كالبداية والنهاية، وتاريخ الطبري أن الخلفاء كانوا يمرون براهب، أو حبر من أحبار اليهود، فيقولون لهم: إنا نجد في كتبنا صفاتكم أو أسماءكم، أو ما يحدث معهم مثل ما قال كعب الأحبار لعبد الملك: أنت ملك العرب. وغير ذلك. ما مدى صحة هذه الأخبار؟ وهل كتب اليهود هذه موجودة اليوم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما ما نقلته عن كعب الأحبار، فكعب كما قال ابن حبان: مات سنة أربع، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقد بلغ مئة سنة وأربع سنين.
بينما ولد عبد الملك سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ (السير للذهبي)، فيحتمل أنه لقيه، فالله أعلم، وهذا القول الذي ذكرته عن كعب في حق عبد الملك لم نقف عليه.
وقد قال الذهبي في السير: وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا هُرِيْرَةَ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَهُوَ غُلاَمٌ، فَقَالَ: هَذَا يَمْلِكُ العَرَبَ.
ونقل الذهبي في تاريخه: وَقَالَ أيوب، عَن أَبِي قلابة: إن كعب الأحبار، قَالَ: لن يملك أحدٌ هَذِهِ الأمة مَا ملك معاوية. قلت (الذهبي): تُوُفِّيَ كعب قبل أن يستخلف مُعَاوِيَة، وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف خلافة عَبْد الملك بن مروان، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وغيرهم، فإِنَّهُم كَانَ لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض الممالك.
وأما البشارات التي كانت في كتب الأولين؛ فمنها ما ثبت بإسناد صحيح؛ ففي صحيح البخاري عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } . وحزرا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
وراجع الفتوى رقم: 41909.
ومنها ما له إسناد ضعيف، أو مختلف فيه؛ ففي مسند أحمد عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا، أي لا. فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم، ثم ولي كفنه وحنطه، وصلى عليه.
قال ابن كثير: هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي الصَّحِيحِ. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي.
وبعض هذه البشارات لم يصح، وبعضها قد حُرِّف فيما بعد؛ وراجع الفتوى رقم:113630.
وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية (1/233) (وهو جزء من البداية والنهاية) جُملاً من هذه البشارات.
وراجع الفتوى رقم: 74500 عن دلالات الدين الحق.
وأما هل كتب اليهود هذه موجودة اليوم؟ فمثل التوراة موجودة ولا يخفى ما فيها من التحريف. وقد بينا موقف المسلم من الإسرائيليات بالفتوى رقم: 143441، وراجع الفتوى رقم:219778.
والله أعلم.