عنوان الفتوى : دلالات الدين الحق
أنا شاب أبلغ من العمر الآن 35 سنة وقد اعتنقت المسيحية منذ 14 سنة تقريبا وهذا الأمر جعلني أسير في هذا الركب وأقتنع بالعقيدة المسيحية ولكن الآن لا أعرف يوجد في داخلي صوت يقول لي ارجع إلى الإسلام أحيانا أسكت هذا الصوت لكن العقيدة الإسلامية بالنسبة لي ذات صورة مشوهة كثيرا كثيرا حتى عندما أسمع القرآن أسمعه وأفسره حسبما درسته عند المسيحيين فأسمعه ليس كما يسمعه المسلم وأما الأحاديث فلها نفس الشيء ممكن كنت قبل ذلك أعتبر نفسي من أتعس الناس ماديا واجتماعيا وعلاقتي بالمسيحيين غيرت كثيرا من ذلك حتى إن اسمي تغير وهم يحبونني وأراهم هم الأمة الأقوى ووضعهم هو الأعظم وحقيقة صعب أن أتركهم. إن أصحابي كلهم مسيحيون ما عدا زملائي في العمل فمنهم مسلمون وأنا أيضا قد تزوجت من مسلمة ولي ابنتان وولد وهذا الأمر أخفيه عن الجميع لا أعرف ماذا أفعل وإلى متى؟ رغم ذلك كله أعتبر نفسي مسلما أرجو الرد لأني بعثت لأكثر من موقع إسلامي لكن لا جواب فهل المسلمون فقدوا من الأرض؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وعصمنا وإياك من مضلات الفتن ومسالك الردى أن الظاهر من حالك أنك كنت مسلما وارتددت عن الإسلام, وانبهرت وتأثرت بحال النصارى الذين خالطتهم، فلم يعد اعتبارك نفسك مسلما نافعا لك حتى توقن بتوحيد الله وبالرسالة, إلا انه لا تزال فطرتك الأصلية تراودك على التمسك بالإسلام ولكنه تشوش ذهنك بسبب انبهارك بحال الكفار فحسبت أنهم فائزون وسعداء، وهم في الحقيقة خاسرون وأشقياء, ولا أدل على ذلك من انتشار الانتحار والأمراض النفسية والجسمية الفتاكة فيهم, إضافة للتفكك الاجتماعي والفضائح والجرائم الأخلاقية, وأخطر من ذلك حرمانهم الأبدي من رضا الله ورؤية وجهه ودخول جنته والإقامة الأبدية في نار جهنم.
كما قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ. {البيِّنة:6} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ. وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {الأحزاب: 64-66}
فكيف يظن سعيدا من يلهو ويغفل عن مصير ه ويتمادى في غروره حتى يخلد في النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين .
ثم إن الشك في أصول الدين ومسلمات العقيدة كتوحيد الله تعالى، ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصدقه فيما جاء به عن الله تعالى، والاقتداء بالكفار في فهم النصوص الواردة في ذلك من أخطر ما يخطر على القلوب فهو من خطوات الشيطان، ومزلات الأقدام، ومواطن الهلكة، فيجب على من أصيب بشيء من ذلك أن يفزع إلى الله تعالى، ويستغيث به، ويعتصم بحبله المتين، وأن يسأله في السر والعلن، وبالتضرع والإلحاح أن يبعد ذلك الشك عن قلبه، وأن يصرف تلك الشبهات عنه، ويرزقه اليقين بالله وبدينه، فلا يكون العبد مؤمنا إلا إذا كان موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{الحجرات:15}، وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ثم عليك أن تفزع إلى كتاب الله تعالى قراءة وتدبرا، وتسأل الله أن يهديك به ففيه شفاء لما في الصدور، يقول الله سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}. ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}. ويقول: هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى {فصلت:44}.
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على أن القرآن هو الشفاء النافع لكل ما يعتري القلوب من شكوك، والسلاح الدافع لكل ما يرد عليها من شبهات وفتن.
ثم عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مبينة لكتاب الله تعالى مفسرة له، وفيها من التوجيهات النبوية ما يرشد الحيران ويهدي من أراد الهدى.
واعلم أن من دلائل صدق القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخرا، وما فيه من الأساليب العجيبة البليغة التي عجز العرب عن محاكاتها مع تمكنهم من التعبير بشتى أساليب الخطاب، وقد شاهد الناس صدق كثير مما جاء في القرآن من الأخبار المستقبلية، فمن ذلك غلبة الروم، وهزيمة جمع قريش، كما اكتشف العلم الحديث مؤخرا أطوار الجنين في البطن، ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح في البحر إلى غير ذلك.
ومن أعظم دلائل كونه من عند الله بقاؤه محفوظا بين أيدينا أربعة عشر قرنا لم يحرف ولم يبدل، ولم يَخْلَق على كثرة الرد, ولا يسأم منه قارئوه مهما كرروا تلاوته.
وأما صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يشهد له تبشير رسول الله عيسى ابن مريم برسالته، وثبوت أمره في التوراة والإنجيل، وقد شهد بذلك بعض أهل الكتاب الذين لم يعمهم التعصب كبحيرا الراهب وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام وزيد بن سعنة، إضافة إلى كثير من المعجزات التي تشهد برسالته، ومنها: شهادة الأشجار والحيوانات برسالته صلى الله عليه وسلم، ومنها: انشقاق القمر, ومنها: إخباره بأشياء مستقبلية ظهر صدقه فيها كفتح الشام والعراق والقسطنطينية.
وهذه المعجزات تكلم عليها أهل العلم في كتبهم فمنها دلائل النبوة للبيهقي، ومنها كتاب البداية والنهاية لابن كثير، فقد ذكر في المجلد السادس كثيرا من المعجزات، وكتاب الرسل والرسالات للدكتور عمر سليمان الأشقر, وراجع مواقع الإعجاز العلمي على الإنترنت، وما قاله الشيخ الزنداني وزغلول النجار فيه.
ثم عليك بمجالسة الصالحين من أهل العلم وتلقي العلم الشرعي عنهم، والانشغال بذلك عن مجالسة أهل الباطل، وصحبة الكفار، واحرص على دفع ما في نفسك من حب العاجلة ولذاتها إلى التعلق بمنال السعادة الحقيقية في الدارين, ففي نفس الإنسان عموما نزوع إلى الهوى والشهوة، وقد يجره للكفر والعياذ بالله, وعلاج ذلك بالخوف من الله وتذكر الآخرة والهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى {النازعـات:40-41]. وقال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ {آل عمران:14}.
فمن أهم عوامل دفع النفس عن الهوى علمه بربه، وخوفه من عقابه، و مما يعين على ذلك استشعار عظمة الله في القلب، والإكثار من تلاوة القرآن بتدبر، والتأمل في أسماء الله وصفاته، والنظر فيما في القرآن من الحديث عن أهوال القيامة وإهلاك الله وعقوبته لمن عصاه في الدنيا والآخرة، والتأمل كذلك في كتب السنة فإن فيها كثيرا من الأحاديث المخوفة من عقاب الله والمرغبة في طاعته والمبينة لعظمته وجبروته, ومن أعظم ما صنف في هذا كتاب العظمة لأبي الشيخ، وكتاب الترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين،
ومن ذلك مجاهدة الإنسان لنفسه حتى يحملها على الهدى، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
ومن العوامل المؤثرة في الإنسان البيئة، والرفقة: فالمرء على دين خليله، وجاء في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه.
ومنها: مقدار الصلاح العام، أو الفساد العام في المجتمع، فلا بد من الهجرة عن المجتمع الذي يقوى فيه الفساد على الصلاح، فقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب. فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
واعلم أن الكفر لا يسبب تحقيق أي منفعة بل هو سبب للحرمان، كما يدل له الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه.
واعلم أن الإيمان هو مصدر عز الأمة وقوتها وتحسين وضعها وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، والرفعة والعلو والغلبة، ومحبة الله لها ومعيته وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، وتيسير الأمور وتفريج الكروب إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة.
كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1}، وقال الله تعالى: وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8}، وقال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ {الروم:47}، وقال: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام:82}، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96}، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3}. وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189}.وقال تعالى: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران:139}، وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ {الصافات:173}، وقال تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ{النور:55}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض فتصلح بهم البلاد وتخضع لهم العباد، وليبدلهم بعد خوفهم أمنا وحكما، وفي الحديث: بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض. رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ {المائدة:56}، وقال الله تعالى: أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ{المجادلة:19}.
وقد أخبر الله تعالى أنه يدافع عن المؤمنين وأنه معهم وأنه وليهم، فقال: إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا {الحج:38}، وقال تعالى: وَأَنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ {الأنفال:19}، وقال الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ {النحل:128}، وقال الله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا {البقرة:257}، وقال الله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {الأعراف:196}.
وقد أخبر أن مكر الكفار سيحيق بهم وأنهم سيغلبون، قال الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا {فاطر:43}، وقال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ{آل عمران:12}.
قال ابن كثير في تفسير الآية: ستغلبون في الدنيا، وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بعدة بشائر، فقال: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر. وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عدي بن حاتم، وصححه الشيخ الألباني.
وفي المسند عن عدي بن حاتم قال: لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرهت خروجه كراهة شديدة خرجت حتى وقعت ناحية الروم فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه، قال: فقلت: والله لولا أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذبا لم يضرني وإن كان صادقا علمت. قال: فقدمت فأتيته فلما قدمت قال الناس: عدي بن حاتم عدي بن حاتم. قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا قال: قلت: إني على دين، قال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال: نعم، ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك؟ قلت: بلى، قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك، قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، فقال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب! أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد. قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. قال شعيب الأرنؤوط: بعضه صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل أبي عبيدة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية. رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وقد تحقق فتح القسطنيطينية بتاريخ 2/7/857هـ الموافق 29/5/1453م.
ولتفتحن رومية عاصمة إيطاليا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ومن البشائر عودة الخلافة الراشدة، التي تقيم العدل وتحكم بالشرع ويدمغ الله بها الباطل وهذا ما يبشرنا به الحديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبزار والطبراني وصححه العراقي ووافقه الشيخ الألباني.
ومنها: تسليط الله المسلمين على اليهود ونصرهم عليهم؛ كما في الحديث: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. رواه البخاري ومسلم.
وهذه البشائر الصادقة والوعود المحققة لأهل الإيمان الذين لا يقتصر الإسلام على وثائقهم الرسمية ولا على مساجدهم وجنائزهم، بل يعيشون حياة الإسلام في مساجدهم وبيوتهم وأخلاقهم ومعاشراتهم ومعاملاتهم ومحاكمهم، وبقدر نقص الإيمان في حياتهم يبتليهم الله بما شاء لعلهم يرجعون ويتوبون، قال الله تعالى: ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}.
وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديث: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وإذا لم يمتثل المسلمون لهذا الأمر ونبذوا كتاب ربهم ولم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله تخلفت عنهم شروط النصر، قال تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ {محمد: 7}. وقال أيضا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ{العنكبوت: 69}.
وبناء عليه.. فلا تغتر بحال المسلمين المعاصرين وتزن الإسلام بحالهم فتكون من الخاسرين المعذبين، ولا بحال الكفار المستدرجين من النصارى والكفار الذين يعيشون لبطونهم وفروجهم، ثم يضطرون في النهاية لعذاب النار؛ كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ{محمد:12} فما ينعم الله به على الكفار من نعم الدنيا ليس مباركة منه سبحانه، وإنما هو استدراج لهم. كما قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {الأعراف:182-183}.
والآيات التي فيها أن ما يعطاه الكفار من النعيم إنما هو استدراج كثيرة، ومنها قوله تعالى: قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ {البقرة: 126}. وقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ {آل عمران:196-197}. وقوله تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ {يونس:70}. وقوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ {القصص:61}. وقوله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ {الزخرف:33-35}.
والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة أيضا ومنها:
-قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم.
-وقوله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.
وفي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
واعلم أن النصرانية المحرفة لا تملك حجة صحيحة لإثبات مبادئها، فضلا عن إبطال مبادئ مخالفها، وكلها نقاط ضعف ووهن، ويظهر ضعف ديانتهم في نقاط عدة منها:
1/ سند الأناجيل التي بين أيدي النصارى، فليس في هذه الأناجيل ما يمكن أن يقال عنه إنه الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، فقد كتبت جميعا بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وهي أشبه بكتب السيرة والتراجم، تحكي ما حصل لعيسى عليه السلام، ويرد في ثناياها أن عيسى كان يكرز (يعظ) بالإنجيل، فأين هذا الإنجيل المنزل الذي تتحدث عنه الأناجيل؟
بل الباحث في الأناجيل الأربعة يعلم قطعا أنه لا يمكن نسبتها إلى هؤلاء الأربعة بدليل صحيح.
2/ التناقض الظاهر، والاختلاف البين، والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل، مما يقطع بأنها من عند غير الله، قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82}.
وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) وجود 125 اختلافا وتناقضا في الكتاب المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود 45 شاهدا على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهدا على التحريف اللفظي بالنقصان.
وقد ذكرنا أمثلة لذلك في فتوانا رقم: 2105.
3/ ما اشتمل عليه هذا الكتاب المقدس - بزعمهم - من نسبة العظائم والقبائح إلى أنبياء الله ورسله الكرام، كالباطل الذي ينسبونه إلى لوط، ونوح، وداود عليهم السلام، وغيرهم.
4/ قضية التثليث والصلب، فما أشد التناقض والاضطراب الواقع في الأناجيل في هاتين القضيتين، رغم أنهما من ركائز دين النصرانية المحرف.
5/ دراسة تاريخ المجامع النصرانية، ونقض بعضها لبعض، بل تكفير بعضهم لبعض: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا).
ومن تأمل تاريخ هذه المجامع علم أن اختيار هذه الأناجيل الأربعة دون سواها، وتقرير ألوهية المسيح وبنوته، وألوهية الروح المقدس لم يكن لها سند إلا هذه المجامع التي لم يؤخذ فيها حتى برأي الأغلبية؛ وإنما كانت الكلمة لمن وافق الرومان في وثنيتهم وضلالهم، وكان التحريم والعقاب لمن تمسك بالتوحيد.
فقد جاءت الكتب السماوية السابقة مبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبصفاته، ومن هذه الكتب الإنجيل، وفي إنجيل برنابا في الباب الثاني والعشرين: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعته.اهـ. وكذا في (سفر أشعيا وسفر حبقوق) وراجع كتب ومحاضرات الشيخ أحمد ديدات وكتاب الشيخ عبد المجيد الزنداني (البشارات بمحمد في الكتب السماوية السابقة).
ومن الكتب النافعة في ذلك:
1/ كتاب: إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي.
2/ اليهودية والنصرانية للدكتور: أحمد شلبي.
3/كتاب: محاضرات في النصرانية للشيخ: محمد أبو زهرة.
4/ كتاب: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية: لمحمد طاهر التنير.
5 / إضافة إلى الكتب المتقدمة: كالجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية.
إضافة إلى الاستفادة من بعض المواقع المهتمة بالرد على النصارى، ومنها:
موقع: المسيحية بمنظور إسلامي.
وموقع: هداية الحيارى من النصارى.
وموقع: للنصارى فقط.
ويمكنك الدخول إلى هذه المواقع عن طريق:
www.sultan.org
كما يمكنك تحميل كتاب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: شهادة الإنجيل على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وكتابه: الرد على أسئلة توني بولدر وجوفاك وتشكيكاته حول القرآن الكريم، والنبي العظيم.
وذلك من خلال موقع الشيخ:
www.salafi.net
في محور كتب ورسائل.
كما يمكنك الاطلاع على الفتاوى التالية في موقعنا: 6828، 9732، 8210.
والله أعلم.