عنوان الفتوى : قد لا تحصل الكرامة للفاضل ؛ لكمال صديقيته ، وعلوّ منزلته ، لا لنقص ولايته.
ما صحة هذه القصة : " كان رجاء بن حيوه يأخذ 60 دينار ويرجع وليس معه شي منها ، لأنه أنفقها كلها ، وحينما يجئ إلى فراشه يضع يده تحت الوسادة يجد الستين تحتها ". فكيف لرجل ليس بنبي يجعل الله له معجزة والخلفاء الراشدين الذين هم خير البشر بعد النبياء لم يجعل الله لهم معجزات ؟
الحمد لله
أولا :
ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة حيوة بن شريح رحمه الله من "سير أعلام
النبلاء" (6/405) ، وكذا في "تاريخ الإسلام" (9/ 387) عن عبد الله بن وهب قال : "
كَانَ حَيْوَةُ يَأْخُذُ عَطَاءً فِي السَّنَةِ سِتِّينَ دِينَارًا، فَلَمْ يَطلعْ
إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ يَجِيءَ إِلَى مَنْزِلِهِ
فَيَجِدُهَا تَحْتَ فِرَاشِهِ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ فَأَخَذَ
عَطَاءَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ ، وَجَاءَ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِهِ فَلَمْ
يَجِدْ شَيْئًا، قَالَ: فَشَكَا إِلَى حَيْوَةَ فَقَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبِّي
بِيَقِينٍ ، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَهُ تَجْرِبَةً " .
وانظر : "وفيات الأعيان" (3/37) .
ولم نطلع على سندها إلى ابن وهب ، وابن وهب ثقة حافظ عالم .
ثانيا :
هذا - إن صح - ونحوه ، من باب الكرامات لا المعجزات ، فإن المعجزة تخص النبي ،
بخلاف الكرامة ، فتكون للنبي والولي الصالح .
راجع الفتوى رقم : (124838) لمعرفة أوجه الفرق بين المعجزة والكرامة .
ثالثا :
لا يلزم من حصول كرامة للأدنى حصول مثلها للأعلى والأفضل ، وقد يخص الله بعض
أوليائه بكرامة ، لفضله وسبقه إلى باب من أبواب الطاعات ؛ تثبيتا منه سبحانه وتفضلا
عليه ، وإظهارا لنعمته التي تستوجب الشكر ، من دون أن يلزم حصول مثلها لغيره ، وإن
كان أفضل منه .
وأبو بكر رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه ، وقد حصل لعمر من الكرامات ما لم
يحصل مثله لأبي بكر ، مع تقدمه عليه في الفضل .
ثم إن الكرامة قد تحصل للأدنى ، ويستغني عنها الأعلى لعلو منزلته وكمال تصديقه ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ
حَاجَةِ الرَّجُلِ ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ ، أَوْ
الْمُحْتَاجُ : أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ ،
وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ
، فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا
لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ
أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 283) .
وغاية الكرامة لزوم الاستقامة ، ولذلك فإن الله تعالى مدح أولياءه باستقامتهم على
صراطه المستقيم ، بطاعتهم ، وعبادتهم ، وجهادهم ، وعلق على ذلك فلاحهم في الدنيا
والآخرة ، لا على ما يحصل لهم من الكرامات وخوارق العادات ، وإن كثيرا من هذه
الخوارق ما يشتبه على الناس ، حيث يكون منها ما هو من الكرامات الربانية ، ومنها ما
يكون من الأحوال الشيطانية .
قال شيخ الإسلام :
" غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ ، فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا
بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَزِيدُهُ مِمَّا
يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 298)
وينظر للأهمية : كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لشيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله .
رابعا :
قول السائل : إن الخلفاء الراشدين لم تحصل لهم كرامات : قول غير صحيح ، فقد حصلت
لهم كرامات معلومة مشهورة ، ذكرها العلماء في تراجمهم .
انظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي .
وانظر السؤال رقم :
(220765) لمعرفة بعض الكرامات التي وقعت للصحابة رضي الله عنهم .
والله أعلم .