عنوان الفتوى : حكم ولاية الأخ الأكبر في تأديب إخوته في وجود الأب
هل يكون الأخ وليا على أخته ولاية تأديب مع وجود الوالد؟ وإذا لم يكن وليا، فما الواجب عمله إذا كان الأب تاركا لواجب الولاية؟ وإذا كان وليا، فهل يحق للوالد إسقاط هذا التكليف عن الأخ؟ وهل يسقط الوجوب إذا تسبب التأديب في سخط الوالد؟ وهل يجوز للوالد أن يتنازل عن ولايته التأديبية لابنه الأكبر؟ وهل هناك فرق في الولاية التأديبية بين البالغين، والصغار؟ وبين الذكور والإناث؟ وإذا كانت الولاية التأديبية قاصرة على الصغار، فما هو واجب الولي تجاه ما يقع من البالغين من تعد على حقوق الله، أو بغي على خلق الله، أو تظالم فيما بينهم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنّ ولاية تأديب الصغار للأب، وتأديب الكبار للحاكم، جاء في الشرح الكبير للدردير: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لأَحَدٍ تَأْدِيبُ أَحَدٍ إلا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ..... أَوْ الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مُعَلِّمًا. اهـ.
وغير الأب كالأمّ والأخ الكبير لهم ولاية تأديب الصغار ولو مع وجود الأب، لكن الضرب لا يكون إلا بإذن الأب، ولا يجب على الأم أو الأخ التأديب إلا عند فقد الأب، أو تركه للتأديب، فقد جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج:.... المراد به من له ولاية التأديب فيشمل الأم والأخ الكبير. اهـ
وفي حاشية البجيرمي على الخطيب عند الكلام على تعليم الصبيان الصلاة وضربهم عليها: قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ لِلْأُمَّهَاتِ مَعَ وُجُودِ الْآبَاءِ أَيْ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَكْفِي الْجَدَّةُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ، وَيُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حَيْثُ النَّدْبُ عَلَى غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، وَلَا يَضْرِبُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. اهـ
وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: يجوز للأم الضرب مع وجود الأب.. ولا يجب عليها الأمر والضرب إلا إن فقد الأب..... وكالأم فيما ذكر كبير الإخوة وبقية العصبة حيث لا وصاية لهم.اهـ
فإذا وجب على الأخ التأديب فلا يتركه خوفاً من سخط الوالد، لأنّ طاعة الوالد إنما تكون في المعروف، لكن عليه أن يتحاشى سخطه ويتلطف به، وليس للأب إسقاط ولاية التأديب لغيره، لأنّ هذه الولاية ليست حقا مختصاً به، وإنما هي حق للأولاد، لكن يجوز أن ينيب غيره في التأديب كالأخ الكبير أو المعلم، أما الأولاد الكبار ذكوراً أو إناثاً، فقد اختلف أهل العلم في حق الولي في تأديبهم، قال ابن مفلح الحنبلي: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يُؤَدَّبُ الْوَلَدُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا مُزَوَّجًا مُنْفَرِدًا فِي بَيْتٍ.
وقال الشربيني الشافعي: للْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحًا لَهُمَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُمَا السَّفِيهُ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْزِيرُ الْبَالِغِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ
وحيث قلنا بعدم جواز تأديب الولي للكبير، فالواجب على الولي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغييره، يستوي في ذلك الذكور والإناث، وراجع ضوابط هذا الأمر في الفتوى رقم: 123464.
لكن الإناث تختص بعدم تمكين الولي لها بالانفراد في السكن إذا خشي عليها، قال ابن عابدين معلقا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة:.. والظاهر أن الجد كذلك، بل غيره من العصبات كالأخ والعم، ولم أر من صرح بذلك ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي، وهذا في زماننا غير واقع فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه ويقدر على حفظه، فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه لا سيما من يلحقه عاره، وذلك أيضا من أعظم صلة الرحم، والشرع أمر بصلتها وبدفع المنكر ما أمكن. اهـ
والله أعلم.