عنوان الفتوى : درجة القصة الواردة في سبب نزول: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله
أود أن أسأل عن صحة القصة الواردة في تفسير القرطبي وهي: أَيْ وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ..... ومن وقَالَ سَأُنْزِلُ, وَالْمُرَاد عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَرْح الَّذِي كَانَ يَكْتُب الْوَحْي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ اِرْتَدَّ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَسَبَب ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين {الْمُؤْمِنُونَ: 12} دَعَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر {الْمُؤْمِنُونَ: 14} عَجِبَ عَبْد اللَّه فِي تَفْصِيل خَلْق الْإِنْسَان فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ {الْمُؤْمِنُونَ: 14} فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ فَشَكَّ عَبْد اللَّه حِينَئِذٍ، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّد صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ, وَلَئِنْ كَانَ كَاذِبًا لَقَدْ قُلْت كَمَا قَالَ: فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة أوردها الواحدي في أسباب النزول، وذكر أنها رواية الكلبي عن ابن عباس، والكلبي هو محمد بن السائب الكلبي، وهو متهم بالكذب، وروايته ساقطة، قال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه، وهو ذاهب الحديث لا يشتغل به.
ورواها الطبري مختصرة بإسناده عن السدي، فالقصة على هذا مرسلة، والسدي متهم بالكذب كما قال الحافظ ابن حجر، قال السيوطي في الإتقان في أسانيد التفسير: وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب، وكثيرا ما يخرج منها الثعلبي والواحدي، لكن قال ابن عدي في الكامل للكلبي أحاديث صالحة وخاصة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع. انتهى.
ومعنى كلام السيوطي أنه قد يعتبر برأي الكلبي في التفسير، لا بروايته، فلا عبرة بها كما في هذه القصة، وقد ضعف القصة شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول، وأما كون عبد الله بن أبي سرح قد ارتد ثم أسلم مرة أخرى فصحيح، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود مختصراً، والنسائي مطولاً، وحسن إسناده الألباني.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 60820.
والله أعلم.