عنوان الفتوى : بيان ما يجزئ في الذبح وحكم من شك هل سمى على الذبيحة أم لا
أرجو منكم أن توضحوا لي مسألتين في غاية الأهمية: عزمت يوم عيد الأضحى على أن أقوم بعملية النحر لأول مرة في حياتي، حيث إن الوالد ـ الله يرحمه ـ قد توفي منذ فترة طويلة وأنا الوحيد المهتم نسبيا ببعض الشؤون المنزلية، ولم تكن لدي أي خبرة، حيث أخذت مني العملية تقريبا خمسة ثوان في حين أن الأمر لا يتجاوز الثانيتين ـ وكأني كنت أقطع حبلا ـ فأحسست أنني عذبته بدلا من أن أريحه بسرعة كما جاء في الحديث، وأخذت الأضحية تتخبط في مكانها لفترة وجيزة مما جعلني أشعر بالذنب، حيث لم تكن لدي القوة والخبرة الكافية، إلى أن أنهك عليها أحد الأقارب بضربة واحدة، فهل علي إثم في ما جرى؟ وما الواجب تجاه ما صدر مني من خطأ؟ هذا بالنسبة للأمر الأول.أما الأمر الثاني: فيتعلق بالنية، فلا أذكر هل سميت الله عند الذبح أم لا، كما أنني لم أقل الدعاء، كما أنني قمت بوضع خبر نحري للأضحية لأول مرة في موقع التواصل الاجتماعي، وكأنني أعجبت بنفسي وبالتالي، لم يكن عملي خالصا لوجه الله سبحانه، ثم أخذ بعض الناس يمدحونني لذلك، أرجو أن توجهوني فأنا في حيرة من أمري.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذكاة الشرعية منها ما لا يحصل الإجزاء دونه، ومنها ما هو أكمل في الذبح وليس شرطا في صحة الذكاة، وقد بينا مذاهب العلماء في ذلك، ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 62087.
فما دمت قطعت بالسكين الأوداج ـ الحلقوم، المريء، العرقان المحيطان بهما ـ فذبحك صحيح، وأما كون الذبح قد أخذ منك خمس ثوان، فلا يعد ذلك من تعذيب الذبيحة، ولا أن اضطرابها عند الذبح وحركتها دليل على تعذيبها، فلا يوجد ما يدعو للقلق أو الشعور بالذنب، وأما الشك في ترك التسمية فلا يضر في حِل الذبيحة، لأنك في أسوأ الأحوال تكون قد تركت التسمية نسيانا، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وَأَمَّا الذَّبِيحَةُ: فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ, أَنَّهَا شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ, وَتَسْقُطُ بِالسَّهْوِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ, وَالثَّوْرِيُّ, وَأَبُو حَنِيفَةَ, وَإِسْحَاقُ، وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَا نَسِيَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَطَاءٌ, وَطَاوُوسٌ, وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ, وَالْحَسَنُ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى, وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ, وَرَبِيعَةُ, وَعَنْ أَحْمَدَ, أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي عَمْدٍ وَلا سَهْوٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّيْدِ، قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ يَعْنِي الْمَيْتَةَ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَلا بَأْسَ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ, بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ رَبِيعَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ، إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ـ وَلأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا, وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا, بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ـ وَالأَكْلُ مِمَّا نُسِيَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِفِسْقٍ، وَيُفَارِقُ الصَّيْدَ، لأَنَّ ذَبْحَهُ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ, فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ تَقْوِيَةً لَهُ, وَالذَّبِيحَةُ بِخِلافِ ذَلِكَ. انتهى.
وأما ما يقال عند ذبح الأضحية ـ ما عدا التسمية ـ من التكبير والدعاء بالقبول، فإنه مستحب، ولا شيء على من تركه متعمدا، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال عند ذبح ضحيته: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، وفي المسند وسنن أبي داود بسند صحيح أنه قال: باسم الله، والله أكبر.
قال النووي في شرح حديث مسلم: فيه دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير اللهم تقبل مني. انتهى.
وأما مجرد وضعك لخبر ذبحك على موقع التواصل الاجتماعي: فلا يدل على أنك معجب بعملك، وكذلك ليس كل فرح وسرور باطلاع الناس على عملك وثنائهم عليك يعتبر من الرياء، فقد قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في مختصر منهاج القاصدين ص: 220: وشوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلَع على عبادته أو لا يطلع ففيه شعبة من الرياء، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر، ومفسداً للعمل، بل فيه تفصيل، فإن قيل: فما ترى أحداً ينفك عن السرور إذا عُرِفت طاعته، فهل جميع ذلك مذموم؟ فالجواب: أن السرور ينقسم إلى محمود ومذموم ، فالمحمود أن يكون قصده إخفاء الطاعة، والإخلاص لله، ولكن لما اطلع عليه الخلق، علم أن الله أطلعهم، وأظهر الجميل من أحواله، فيُسَرُّ بحسن صنع الله، ونظره له، ولطفه به، حيث كان يستر الطاعة والمعصية، فأظهر الله عليه الطاعة وستر عليه المعصية، ولا لطف أعظم من ستر القبيح، وإظهار الجميل، فيكون فرحه بذلك، لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم، أو يستدل بإظهار الله الجميل، وستر القبيح في الدنيا أنه كذلك يفعل به في الآخرة، فأما إن كان فرحه باطلاع الناس عليه لقيام منزلته عندهم حتى يمدحوه، ويعظموه، ويقضوا حوائجه، فهذا مكروه مذموم، فإن قيل: فما وجه حديث أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل فيسره، فإذا اطلع عليه أعجبه؟ فقال: له أجران: أجر السر، وأجر العلانية ـ رواه الترمذي، فالجواب أن الحديث ضعيف، وفسره بعض أهل العلم بأن معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير، لقوله عليه الصلاة والسلام: أنتم شهداء الله في الأرض ـ وقد روى مسلم عن أبي ذر قيل: يا رسول الله: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن ـ فأما إذا أعجبه ليعلم الناس فيه الخير ويكرموه عليه، فهذا رياء. انتهى.
والله أعلم.