عنوان الفتوى : حكم السعي لإدراك صلاة الجماعة والحكمة من النهي عنه
هل الحديث الوارد في النهي عن الجري إلى المسجد - خاصة بعد الإقامة - محمول على الكراهة، أو التحريم؟ وما الحكمة من ذلك؟ أليس الأفضل اللحاق بالصلاة كاملة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. متفق عليه.
وقد حمل الفقهاء الأمر بالمشي على الاستحباب، والنهي عن السعي على الكراهة, جاء في أسنى المطالب: وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا ـ أَيْ: التَّكْبِيرَةِ ـ لَمْ يَسْعَ، أَيْ: لَمْ يُسْرِعْ نَدْبًا لِيُدْرِكَهَا، بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا تَمْشُونَ .... اهـ مختصرًا.
وفي الكافي من كتب الحنابلة: ويستحب أن يأتيها ماشيًا ليكون أعظم للأجر، وعليه سكينة ووقار؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون... اهـ.
وأما الحكمة من إتيانها مشيًا دون سعي: فقد قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي إِتْيَانهَا بِسَكِينَةٍ، وَالنَّهْي عَنْ السَّعْي أَنَّ الذَّاهِب إِلَى صَلَاة عَامِد فِي تَحْصِيلهَا، وَمُتَوَصِّل إِلَيْهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون مُتَأَدِّبًا بِآدَابِهَا، وَعَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال، وَهَذَا مَعْنَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة ـ وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة ـ إِنَّمَا ذَكَرَ الْإِقَامَة لِلتَّنْبِيهِ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ إِتْيَانهَا سَعْيًا فِي حَال الْإِقَامَة، مَعَ خَوْفه فَوْت بَعْضهَا، فَقَبْل الْإِقَامَة أَوْلَى، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّة، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة، وَهَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع أَوْقَات الْإِتْيَان إِلَى الصَّلَاة. اهــ.
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: مُنِعَ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا، وَفِي الْقَصْدِ إلَيْهَا. اهـ.
وفي شرح الموطأ للزرقاني: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْوَقَارِ وَالْأَدَبِ، وَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ بِقَوْلِهِ: وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ. اهـ.
والله أعلم.