عنوان الفتوى : المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام : (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء...)
سمعت بحديث ، ما معناه : لو اجتمعت السماوات ومن فيها ، والأرض ومن عليها على أن يضروك بشيء ، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، هل هذا حديث صحيح أم ضعيف ؟
الحمد لله
روى الترمذي (2516) وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: ( يَا غُلَامُ إِنِّي
أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ
تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ
بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ
بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ
اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ
كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) ، قال
الترمذي رحمه الله : "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وقال ابن رجب ـ عن طريق
الترمذي هذه ـ : "حسنة جيدة" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/483) ، وصححه
الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا الحديث حديث حسن المعنى جدا ، مشهور متداول عند أهل العلم ، وله طرق وشواهد عديدة ، وقد صححه أيضا من أهل العلم : الحافظ عبد الحق الأشبيلي في "أحكامه" (3/333).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" بين النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الجملة أن الأمة لو اجتمعت كلها علي أن
ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، فإذا وقع منهم نفع لك ، فاعلم
أنه من الله ، لأنه هو الذي كتبه ، فلم يقل النبي صلي الله عليه وسلم : لو اجتمعت
على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك ؛ بل قال: ( لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ) .
فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، لكن كل هذا
مما كتبه الله للإنسان ، فالفضل فيه أولا لله عز وجل ، هو الذي سخر لك من ينفعك
ويحسن إليك ويزيل كربتك .
وكذلك بالعكس ، لو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله
عليك.
والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقا بربه ، ومتكلا عليه ، لا يهتم بأحد ،
لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق علي أن يضروه بشيء ، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه
الله عليه ؛ وحينئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به ، ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه
.
ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا علي الله وتوكلوا عليه ، لم يضرهم
كيد الكائدين ، ولا حسد الحاسدين: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ
كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران/120 " انتهى
من "شرح رياض الصالحين" (1/ 491-492) .
وقد شرح الإمام الحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله ، هذا الحديث شرحا نافعا مفيدا ، في رسالة خاصة أسماها : "تنوير المقباس ، بشرح حديث ابن عباس " ، ومضمونها أيضا في كتابه : "جامع العلوم والحكم" ، عند شرحه لنفس الحديث ، برقم : الحديث التاسع عشر (2/480) وما بعدها ، فننصح بالرجوع إليه ، والاستفادة منه .
ويراجع لمزيد الفائدة السؤال
رقم : (138798) .
والله أعلم .