عنوان الفتوى : هل أخذ المندوب الثمن مقدماً يدخل في بيع ما لا يملك ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ماحكم الوسيط بين البائع والمشتري ؟ مثلاً المندوب الذي يطلب تحويل المال قبل امتلاك السلعه؟ طلبت من شخص "مندوب" أن يقوم بشراء بعض الحاجيات لي من محل معين فطلب تحويل المال قبل الذهاب للمحل بحجة ان بعض الناس يتلاعبون بهم فيقومون بإلغاء الطلب بعد شرائه وهكذا .. هل يجوز له ذلك ؟ رفضت التحويل لأني أظن أن هذا داخل في بيع مالا يملك ولا أعلم هل أنا على صواب أم لا .

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولاً :
لا حرج على المندوب من تلقي طلبات الشراء من الزبائن ، ثم القيام بتوفيرها من المحلات وبيعها لهم مع وجود هامش من الربح ، وهي صورة من صور " بيع المرابحة للآمر بالشراء " التي أجازها أغلب العلماء المعاصرون وبذلك صدرت قرارات المجامع الفقهية.
وليس هذا من بيع الإنسان ما لا يملك ، ولا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:  لا تَبِعْ ما لَيسَ عندَك  ؛ لأن ما يتم عادةً بين المشتري والمندوب إنما هو من باب المواعدة على البيع والشراء ، وليس عقداً للبيع ، والعقد إنما يتم بعد شراء المندوب للسلعة وتملكه لها .
وينظر جواب السؤال : (171864) ، (224408) ، (126452) .

ثانياً :
شرط جواز هذه المعاملة : أن لا يتعدى الاتفاق المبدئي الدائر بين المشتري والمندوب حدود المواعدة المجردة والتي يكون لكلا الطرفين فيها بعد ذلك الخيار في اتمام الصفقة أو إلغائها.
أما إذا وجد الإلزام لكلا الطرفين أو أحدهما : فهو يُدخل المعاملة في باب " بيع الإنسان ما لا يملك " ؛ لأن العقد يكون قد وقع قبل تملك المندوب للسلعة.
قال الإمام الشافعي : " وَإِذَا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فَقَالَ: اشْتَرِ هَذِهِ وَأُرْبِحْك فِيهَا كَذَا ، فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ : فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ.
وَاَلَّذِي قَالَ أُرْبِحْك فِيهَا : بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَحْدَثَ فِيهَا بَيْعًا , وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ .
وَهَكَذَا إنْ قَالَ اشْتَرِ لِي مَتَاعًا وَوَصَفَهُ لَهُ أَوْ مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْت ، وَأَنَا أُرْبِحْك فِيهِ ، فَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ... وَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْآخَرِ , فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ.
وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ : فَهُوَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ شَيْئَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ اشْتَرَيْتَهُ عَلَى كَذَا أُرْبِحْك فِيهِ كَذَا " الأم للشافعي ط الوفاء (4/ 75)
فجعل الإمام الشافعيُّ الإلزامَ بالتواعد الأول بيعًا، وأنه داخل في بيع ما لا يملكه البائع.
وفي "قرارُ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ" (40 - 41 ): " المواعدةَ الملزمةَ في بيع المرابحة تشبه البيعَ نفسَه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده " انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" [ برئاسة الشيخ ابن باز ] (13/ 237) : " وأما إذا اتفق معه على أن يبيعها عليه بعد أن يمتلكها ويحوزها فيجوز؛ لأنه وعد بالشراء لا عقد شراء، ولهما أن يتعاقدا بعد ذلك وفاء بالوعد، ويجوز أن يبيعها على غيره، كما يجوز للآخر أن يشتري غير هذه السيارة". انتهى
وقد وجه الشيخ محمد سليمان الأشقر رحمه الله تعالى سؤالا للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى حول هذه المسألة فكان جواب الشيخ :
" أفيد فضيلتكم أنه إذا اتفق العميل والبنك المذكور على شراء أي بضاعة ، فإن العميل لا يتحمل شيئا من النفقة حتى يتم البيع بينه وبين البنك بعد تملك السلعة وحيازته لها ، أما قبل ذلك فالبيع باطل ، والعميل لا يتحمل شيئا ، والوعد لا يلزمه بشيء من المصاريف التي يبذلها البنك لشراء السلعة ، بل ذلك كله على البنك ". انتهى من كتاب " بيع المرابحة " للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 54-55.
وقال الشيخ الصديق الضرير: "بيع المرابحة للآمِر بالشراء مع إلزام الآمر بوعْده، يُؤدِّي إلى بيع الإنسان ما ليس عندَه؛ لأنَّه لا فرْقَ بين أن يقول شخصٌ لآخرَ: بعتُك سلعة كذا بمبلغ كذا، والسِّلعة ليستْ عنده، وبين أن يقول شخص لآخر: اشترِ سلعة كذا، وأنا ملتزمٌ بشرائها منك بمبلغ كذا، وبيع الإنسان ما ليس عندَه منهيٌّ عنه بحديث: (لا تَبِعْ ما ليس عندك)، ولا يُغيِّر من هذه الحقيقة كونُ البنك والآمر بالشراء سينُشِئان عقدَ بيعٍ من جديد بعدَ شراء البنك السلعة، وتقديمها للآمِر، ما دام كلُّ واحد منهما مُلزمًا بإنشاء البيع على الصورة التي تضمَّنها الوعد" انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (5/ 742) ، وينظر" فقه النوازل" للشيخ بكر أبو زيد (2/ 97)

ثالثاً :
لا يحل للمندوب - قبل تملك للسلعة - طلب الثمن أو جزءاً منه مقدماً لضمان جدية المشتري ؛ وذلك لأن أخذ هذا المبلغ من العميل قبل شراء السلعة دلالة على أن ما بينهما ليس مجرد مواعدة وإنما التزام ، وهذا المبلغ لتأكيد وضمان الالتزام في حقيقة الأمر.
وهذا يتناقض مع ما سبق من اشتراط كون الوعد غير ملزم للطرفين أو أحدهما.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي حول العربون : " ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ، ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة "، انتهى من "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 82)
وفي قرار الهيئة الشرعية لبنك الراجحي : " في المرابحة لا يجوز أن يشترط دفعة مقدمة ولا عربوناً ، وإنما يشتري المأمور العقار لنفسه بنفسه أولا ثم يبيعه للآمر ، ولم تجز الهيئة في هذا اشتراط دفعة مقدمة ولا عربونا ؛ لأن الآمر غير ملزم بالشراء في المرابحة ، وهذا الاشتراط يجعله ملزما " انتهى من "قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي" (1/330) .
وفي قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد : " لا يجوز للبنك أن يأخذ من العميل أي مبلغ نقدي في مرحلة المواعدة بأي شكل كان ، سواء أكان هامش الجدية ، أم دفعة مقدمة ضماناً من العميل على حساب قيمة البضاعة التي سيشتريها ، أم عربوناً ، أو أي مبلغ نقدي آخر". انتهى من "قرارات الهيئة الشرعية لبنك البلاد" قرار رقم (15).
ثم إن مخاطرة نكول المشتري عن الشراء تعد كأي مخاطرة يتحملها التجار عادة ، فمن طبيعة أي تجارة التعرض للربح والخسارة .
وبإمكان المندوب حتى يتخلص من خطر الخسارة المحتملة في حال نكول المشتري عن الشراء أن يقوم بشراء السلعة بشرط الخيار حتى يتمكن من ردها في حال رفض المشتري إتمام الصفقة .
قال ابن القيم : " رجل قال لغيره : اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا ، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد .
فالحيلة : أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ، ثم يقول للآمر قد اشتريتها بما ذكرت ، فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار " انتهى من " إعلام الموقعين" (4/ 29).
وسبق بيان جواز هذا في جواب السؤال (215358) .