عنوان الفتوى : هل نزل قوله تعالى : ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) في شأن عبد الله بن سعد ابن أبي سرح ؟
ما صحة قصة عبد الله بن أبي سرح في تحريف القرآن حينما كان من كتاب الوحي قبل أن يرتد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ؟ وما صحة ما ذكره الواحدي في أسباب النزول : " أنّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ"، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَال " ؟
الحمد لله
أولا :
ذكر غير واحد من أهل العلم أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد ارتد وافترى على
النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلقنه الوحي ، ويكتب له ما يريد ، فأهدر النبي صلى
الله عليه وسلم دمه ، ونذر رجل من المسلمين ليقتلنه ، ثم لما فتح رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكة حبسه عثمان أياما حتى اطمأن أهل مكة ، ثم جاء به تائبا ليبايع
النبي عليه الصلاة والسلام ويؤمنه .
انظر جواب السؤال رقم : (217153) .
ومن الناحية الحديثية : لم نقف على رواية صحيحة الإسناد أن عبد الله بن أبي سرح كان
يحرِّف الوحي ، وإنما في قصته أنه " أزلَّه الشيطان " .
والذي كان يدعي ذلك كَانَ رَجُلا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ
وَآلَ عِمْرَانَ ، وكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ
نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ : " مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ
لَهُ " ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ
.
والذي ثبت في حق ابن أبي السرح أنه ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام وتاب وحسنت توبته ،
رضي الله عنه .
انظر جواب السؤال رقم : (168773) ، (201894)
.
ثانيا :
قال الواحدي في "أسباب النزول" (ص 220):
" قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ )
الأنعام/ 93 .
نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ
بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا
نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
مِنْ سُلَالَةٍ) أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: (ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ
الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ)،
فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ
كَمَا قَالَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ ) وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ " انتهى .
وذكره القرطبي في "تفسيره" (7/40) وقال :
" رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " انتهى .
وقال المناوي في "الفتح السماوي" (2/ 612):
" أخرجه الواحدي عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابن عباس " انتهى .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، الكلبي ، هو محمد بن السائب ، أبو النضر الكوفى المفسر ، وهو
وضاع مشهور .
قال سفيان : قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب .
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وكذبه التيمي والجوزجاني والحاكم وغيرهم ، وقال أبو حاتم : الناس مجمعون على ترك
حديثه ، هو ذاهب الحديث لا يشتغل به .
وقال ابن حبان: " مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في
وصفه . يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع
الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب ، فكيف الاحتجاج به
".
انظر: "تهذيب التهذيب" (9 / 157-159) ، "ميزان الاعتدال" (3/556-559) .
وقال ابن معين : " بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن : تفسير الكلبي عن أبى صالح " .
"ميزان الاعتدال" (1 /645) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب " .
انتهى من "الإتقان في علوم القرآن" (2 /497-498) .
فهذه الرواية لا تصح عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد روى الطبري في "تفسيره"
(11/ 533) من طريق حجاج - وهو ابن أرطاة - عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: (ومن قال
سأنزل مثل ما أنزل الله)، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان كتب للنبي صلى
الله عليه وسلم، وكان فيما يملي (عزيز حكيم)، فيكتب (غفور رحيم) ، فيغيره، فرجع عن
الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه (عزيز حكيم) فأحوله، ثم أقرأ ما
كتبت، فيقول: (نعم سواء)! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة .
وهذا إسناد ضعيف لإرساله ، وحجاج بن أرطاة وابن جريج مدلسان ، وقد عنعنا في الرواية
.
ثم رواه الطبري (11/ 534) من طريق أسباط عن السدي به ، وهو ضعيف أيضا ، السدي ، هو
إسماعيل بن عبد الرحمن أبو محمد القرشي ، السدي الكبير ، وهو تابعي ، فحديثه مرسل .