عنوان الفتوى : مسائل في الغسل من الحيض والجنابة، ونية أحدهما دون الآخر عند اجتماعهما
كنت أفعل العادة السرية, ثم تبت, وبعد سنة أو سنتين علمت أن هناك سائلًا يجب الاغتسال منه, وأصبحت أخاف وأغتسل, ومن الأساس لم ينزل شيء, وبعد فترة علمت أنه يجب الاغتسال بعد العادة السرية, وأخذت بفتوى شيخ يقول: "إن الجاهل لا شيء عليه" وقرأت أن الغسل من الحيض يرفع الحدث, لكن هذا الأمر مختلف فيه, وبعد أن عرفت أن العادة السرية يجب الاغتسال منها لم أغتسل؛ لأني قلت: إن اغتسلت بنية نزول المني, فهل تجزئ عن العادة أم يجب أن أنوي لها نية أخرى؟ فأنا لم أفكر في هذه المسألة إلى الآن بعد 11شهرًا تقريبًا, وأنا إنسانة كثيرة الوساوس, وبعد كل فترة أكتشف أن عندي خطأ, وأعيد صلواتي, وأحس أن اليأس بدأ ينتابني؛ لأني كلما صليت تكون صلاتي خاطئة, ويجب عليّ إعادتها, مع أني متعلمة, وأرى مشايخ يتكلمون في أمور الصلاة؛ لكي أتفقه, ولكني أخطئ, فهل غسلي عن نزول المني يكفي عن العادة السرية, أم يجب غسل آخر؟ وهل لي أن آخذ بأنه يجزئ غسل الحيض أم يعتبر هذا من تتبع الرخص؟ فأنا لا أريد أن أتحمل ذنوبًا أخرى.
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 2179 حكم العادة السرية, وبينا فيها حرمتها, فبادري بالتوبة النصوح منها.
ثم إن سؤالك قد تضمن عدة أمور, وستكون الإجابة عنها في النقاط التالية:
1ـ في البداية: نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل مما تعانينه من وساوس, وشكوك, وننصحك بالإعراض عن هذه الوساوس, وعدم الالتفات إليها, فإن ذلك من أنفع علاجها, وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 3086.
2ـ لا يجب الغسل بمجرد فعل العادة السرية، وإنما يجب الغسل إذا ترتب على فعلها خروج مني, ومن ثم فإذا لم يحصل إنزال للمني فلا غسل عليك, ولعل هذا ما يفهم من قولك: "ومن الأساس لم ينزل شيء", ومواصفات مني المرأة قد ذكرناها في الفتوى رقم: 131658.
3ـ نزول المني موجب للغسل, سواء خرج بسبب العادة السرية أم لا؟ فإذا اغتسلتِ لأجل خروج المني: فهذا مجزئ, ولا داعي لنية الاغتسال من ممارسة العادة السرية, فليس لها غسل خاص بها إذا لم يحصل إنزال المني.
4ـ بخصوص قولك: " وأخذت فتوى شيخ يقول: إن الجاهل لا شيء عليه " إن كان المقصود به الجهل بعدم وجوب الغسل من العادة السرية مع الإنزال, فالجواب أن مَن مارست العادة السرية, وخرج منها المني وجب عليها أن تغتسل، فإن كانت تجهل وجوب الغسل ففي وجوب قضائها لما صلته من صلوات بغير طهارة شرعية خلاف بين العلماء, تنظر لمعرفته الفتويان التاليتان: 125226، 109981.
والأحوط ـ بلا شك ـ قضاء هذه الصلوات، وهو مذهب الجمهور، ولبيان كيفية قضاء هذه الصلوات إذا جهلت عددها راجعي الفتوى رقم: 70806.
5ـ قولك: "وقرأت أن الغسل من الحيض يرفع الحدث لكن هذا الأمر مختلف فيه" فالجواب: أن الحائض إذا اغتسلت بعد انقطاع حيضها, فقد ارتفع حدثها, ولا علم لنا بخلاف في هذه المسألة, وإن كان المقصود مسألة الحائض إذا كانت عليها جنابة هل يجزئها غسل واحد عن الجنابة والحيض معًا, فالجواب أنه يكفيها غسل واحد إذا نوتهما معًا في قول الجمهور، وأما إذا نوت أحدهما ولم تنو الآخر ففي المسألة خلاف، فقيل: لا يجزئها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. وقيل: يجزئها؛ لأنها نوت رفع الحدث.
قال ابن قدامة في المغني: فصل: إذا اجتمع شيئان يوجبان الغسل - كالحيض. والجنابة, أو التقاء الختانين, والإنزال - ونواهما بطهارته أجزأه عنهما, قاله أكثر أهل العلم, منهم: عطاء, وأبو الزناد, وربيعة, ومالك, والشافعي, وإسحاق, وأصحاب الرأي, ويروى عن الحسن, والنخعي في الحائض الجنب يغتسل غسلين، وإن نوى أحدها, أو نوت المرأة الحيض دون الجنابة: فهل تجزئه عن الآخر؟ على وجهين: أحدهما: تجزئه عن الآخر؛ لأنه غسل صحيح, نوى به الفرض, فأجزأه, كما لو نوى استباحة الصلاة، والثانية: يجزئه عما نواه دون ما لم ينوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. انتهى بتصرف.
6ـ بخصوص إعادة الصلاة لوجود أخطاء فيها, فالجواب أنه لا تشرع إعادتها إلا إذا حصل يقين بوجود ما يبطلها, وقد ذكرنا مبطلات الصلاة مفصلة في الفتوى رقم: 6403.
ولا تشرع الإعادة لمجرد الشك في بطلان الصلاة, أو لأجل تأثير الوساوس.
والله أعلم.