عنوان الفتوى : جواز أن يعلم الولي ما لا يعلمه النبي
هل من الممكن أن يعطي الله تعالى لولي من أوليائه من الأسرار والكرامات ما لم يعطه لنبي من أنبيائه؟ نريد من فضيلنكم الإجابة بالدليل وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم أولا أن أنبياء الله هم صفوته وخيرته من خلقه، وأنهم أفضل من جميع البشر بإجماع المسلمين، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء, وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب, فقال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا { النساء: آية 69} وفي حديث: ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر. انتهى.
وليس يمتنع أن يعلم الولي بعض ما لا يعلمه النبي، ولا يستلزم هذا تفضيله عليه، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن الخضر ولي لا نبي ومع ذا سافر إليه موسى وتعلم منه ـ كما هو معلوم ـ وإذا كان الهدهد قد أحاط بما لم يحط به سليمان عليه السلام علما فأولى أن يجوز أن يعلم الولي بعض ما لا يعلمه النبي، وليس هذا بموجب أن يكون أفضل منه ـ كما بينا ـ قال ابن أبي العز ـ رحمه الله ـ في شرح الطحاوية: وليس الخضر أفضل من موسى بِكَوْنِهِ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُوسَى، وَقَدْ سَافَرَ مُوسَى وَفَتَاهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَى الْخَضِرِ، وَتَزَوَّدَ لِذَلِكَ، وَطَلَبَ مُوسَى مِنْهُ الْعِلْمَ صَرِيحًا، وَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَلَا الْهُدْهُدُ أَفْضَلَ مِنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِكَوْنِهِ أَحَاطَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ سُلَيْمَانُ عِلْمًا. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد أجمع المسلمون على أن موسى أفضل من الخضر، فمن قال: إن الخضر أفضل فقد كفر، وسواء قيل: إن الخضر نبي أو ولي، والجمهور على أنه ليس بنبي، بل أنبياء بني إسرائيل الذين اتبعوا التوراة وذكرهم الله تعالى كداود وسليمان أفضل من الخضر، بل على قول الجمهور أنه ليس بنبي فأبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أفضل منه، وكونه يعلم مسائل لا يعلمها موسى لا يوجب أن يكون أفضل منه مطلقا، كما أن الهدهد لما قال لسليمان: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ{ 27ـ 25} لم يكن أفضل من سليمان، وكما أن الذين كانوا يلقحون النخل لما كانوا أعلم بتلقيحه من النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب من ذلك أن يكونوا أفضل منه صلى الله عليه وسلم، وقد قال لهم: أنتم أعلم بأمور دنياكم، أما ما كان من أمر دينكم فإلي. انتهى.
وهذا واضح جدا في أنه لا يمتنع أن يعلم الولي ما لا يعلمه النبي، وأن هذا لا يوجب فضله على النبي، وفي هذا جواب لسؤالك. إذ العلم من أعظم ما يكرم الله به عباده، ولكن الفضيلة المعينة لا تستلزم الفضل المطلق.
ثم ليعلم أن كرامات الأولياء هي معجزات للأنبياء في الحقيقة، لأنها ما حصلت لهم إلا ببركة اتباعهم، والولي وإن أكرمه الله بشيء معين فهذا لكونه تابعا للرسل مقتفيا لأثرهم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: أمّا الصالحون الذين يدعون إلى طريق الأنبياء لا يخرجون عنها، فتلك خوارقهم من معجزات الأنبياء، فإنّهم يقولون: نحن إنّما حصل لنا هذا باتّباع الأنبياء، ولو لم نتّبعهم لم يحصل لنا هذا، فهؤلاء إذا قُدّر أنه جرى على يد أحدهم ما هو من جنس ما جرى للأنبياء، كما صارت النار برداً وسلاماً على أبي مسلم كما صارت على إبراهيم، وكما يكثر الله الطعام والشراب لكثير من الصالحين كما جرى في بعض المواطن للنبي صلى الله عليه وسلم، أو إحياء الله ميتا لبعض الصالحين كما أحياه للأنبياء، فهذه الأمور هي مؤكدة لآيات الأنبياء، وهي أيضاً من معجزاتهم بمنزلة ما تقدّمهم من الإرهاص، ومع هذا فالأولياء دون الأنبياء والمرسلين، فلا تبلغ كرامات أحدٍ قطّ إلى مثل معجزات المرسلين، كما أنهم لا يبلغون في الفضيلة والثواب إلى درجاتهم، ولكن قد يُشاركونهم في بعضها، كما قد يُشاركونهم في بعض أعمالهم. انتهى.
والله أعلم.