عنوان الفتوى : حكم من أعان غيره على معصية ثم تاب قبل ارتكاب الغير المعصية
من دل على شر مثل إعطاء ملفات إباحية لشخص ما، ثم تاب قبل أن يشاهدها. هل عليه وزر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الأمور المقررة في الشرع أن الإعانة على معصية الله محرمة؛ لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
وقد جاءت أدلة كثيرة تبين أن الدال على معصية عليه مثل إثم فاعلها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء.
وفي الحديث: لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل. متفق عليه . وترجم عليه الإمام البخاري: باب إثم من دعا إلى ضلالة، أو سن سنة سيئة.
لكن التائب من الإعانة والدلالة على المعصية يتوب الله عز وجل عليه ويغفر له ذنبه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. فمن أعطى ملفات إباحية لشخص ما، ثم تاب قبل أن يشاهدها، فلا إثم عليه إن شاهدها ذلك الشخص بعدُ، وقد ذكر العلماء أن من تاب من الإعانة على المعصية لا يجري عليه إثم إعانته وإن بقيت المعصية.
قال القاري في مرقاة المفاتيح: قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم وبقي العمل به. فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، أو لا لأن شرطها رد الظلامة، والإقلاع. وما دام العمل بدلالته موجودا فالفعل منسوب إليه، فكأنه لم يرد ولم يقلع؟ كل محتمل، ولم أر في ذلك نقلا، والمنقدح الآن الثاني. اهـ. والأظهر الأول، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد، ثم رد المظالم مقيد بالممكن، وإقلاع كل شيء بحسبه حتما، وأيضا استمرار ثواب الاتباع مبني على استدامة رضا المتبوع به، فإذا تاب وندم انقطع، كما أن الداعي إلى الهدى إن وقع في الردى - نعوذ بالله منه - انقطع ثواب المتابعة له، وأيضا كان كثير من الكفار دعاة إلى الضلالة، وقبل منهم الإسلام لما أن الإسلام يجب ما قبله، فالتوبة كذلك بل أقوى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 70789 .
والله أعلم.