عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في أجرة من امتنع عن إتمام المدة المتفق عليها
أنا موظفة أعمل بفضل الله في إحدى الجهات الحكومية. المشكلة هي أنني أركب مع سائق، طبعا بعد انتفاء وجود أحد يوصلني من محارمي، فلا أب لدي، ولا إخوة، ولا أقارب من محارمي. فهل علي إثم خاصة أني أحتاج للعمل لأنفق على نفسي وأخواتي ؟ الأمر الآخر أن السائق الذي يوصلني كان هندوسيا، وأنا لا أعلم؛ لأني حريصة على أن يكون السائق مسلما قدر الإمكان، فحدث أن أوصلني هذا السائق الهندوسي لمدة شهر، وتم إعطاؤه حقه حسب الاتفاق، ولكن ومع بداية الشهر التالي بدأ يطالبني بالزيادة، ويبرر ذلك بالبترول، وبعد المسافة حيث إن العمل يبعد عن بيتي 30 كيلو. المهم قلت له لن أزيد فهذا اتفاقنا من البداية بهذا المبلغ، مع علمك بموقع بيتي قبل الاتفاق؛ حيث بعدما عاين بيتي اتفقنا على سعر معين ليوصلني شهرا كاملا. المهم أوصلني أول يوم من الشهر التالي، وكان يردد علي طلبه بالزيادة، وفي المقابل إصراري على عدم الزيادة، ثم اليوم التالي نفس الأمر كرر علي طلبه بالزيادة في المبلغ المتفق عليه، ولم أوافق وحدثت بيني وبينه مشادة كلامية. فما كان منه إلا أن انتهى وقت الدوام فلم يحضر تعمدا، وحينما اتصلت عليه أخبرني أنه لن يأتي؛ لأني لا أرغب في إعطائه زيادة وأوقعني في مشكلة حيث لم أتمكن من الحصول على سيارة تقلني من عملي إلا بعد ساعة من انتهاء وقت الدوام. ولذلك ما كان مني إلا أن اتصلت عليه وأخبرته بأنني لا أرغب أبدا في الاستعانة به، ورغبتي بتركه والبحث عن سائق آخر. بعد هذا فعلا وجدت سائقا مسلما والحمد لله، ولكن أخذ هذا السائق الهندوسي يتصل علي ويرسل رسائل، بحقه على اليوم الأول من الشهر الجديد، وحقه في نصف يوم؛ لأنه أوصلني في اليوم التالي ولم يرجعني. فهل له علي حق لأن ضميري يؤنبني، وأخاف أن يحاججني بحقه يوم القيامة؟ دائما أفكر أن أترك هندوسيا يحاججني يوم القيامة على مال أمام الله عزوجل لا أدري، مع العلم أن الاتفاق بيني وبينه كان شهرا كاملا وليس باليوم حتى إنني لا أدري إن أردت إعطاءه مبلغا فكم أعطيه ؟!!!! لأن اتفاقنا بالشهر وليس باليوم. أرجو إفادتي. وأعتذر عن الإطالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة بتحريم ركوب المرأة مع السائق لوحدهما في الفتوى رقم: 1079، لكن إن كان هناك اضطرار من المرأة للركوب مع السائق، فإن من قواعد الشريعة أن المحرمات تباح عند الضرورة، لكن تقدر الضرورة بقدرها؛ وانظري في هذا الفتوى رقم: 18288.
وأما ما يتعلق بحق السائق حيث امتنع من المضي في العقد بعد لزومه، فقد اختلف العلماء هل يستحق نصيبه من الأجرة حينئذ أم أنه لا يستحق شيئا.
قال ابن هبيرة: واختلفوا فيما إذا حول المالك والمستأجر في أثناء الشهر. فقالوا: له أجرة ما سكن إلا أحمد فإنه قال: لا أجرة له، وكذلك قال: إن تحول الساكن لم يكن له أن يسترد أجرة ما بقي، فإن أخرجته يد غالبة، كان عليه أجرة ما سكن. اهـ.
وجاء في الروض المربع: (فإن آجره شيئًا ومنعه) أي منع المؤجر المستأجر الشيء المؤجر (كل المدة أو بعضها) بأن سلمه العين، ثم حوله قبل تقضي المدة (فلا شيء له) من الأجرة؛ لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة، فلم يستحق شيئًا (وإن بدأ الآخر) أي المستأجر فتحول (قبل انقضائها) أي انقضاء مدة الإجارة (فعليه) جميع الأجرة؛ لأنها عقد لازم، فترتب مقتضاها، وهو ملك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع . اهـ.
قال الشيخ ابن قاسم في حاشيته: كما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد، فحمله بعض الطريق، ونحو ذلك. وقاسوا من اكترى دابة فامتنع المكري من تسليمها بعض المدة - أو آجر نفسه للخدمة مدة، وامتنع من إتمامها - على بيع العقار إذا امتنع من تسليمه. وقال الموفق وغيره: يحتمل أن له من الأجر بقسطه، وأنه قول أكثر الفقهاء؛ لأنه استوفى ملك غيره، على وجه المعاوضة، فلزمه عوضه، كالمبيع إذا استوفى بعضه، وهو ظاهر كلام الشيخ - يعني : ابن تيمية -. اهـ.
فالأحوط أن تعطي السائق نصيبه من الأجرة احتياطا وإبراءا لذمتك، وخروجا من خلاف العلماء.
والله أعلم.