عنوان الفتوى : شرط النهي عن المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا قلق بشأن وضع والدي بعد أن بدرت منه بعض الأمور . ففي إحدى المرات طلبت منه أن يزيل صور الزواج التي علقها على جدران الطابق السفلي ، وأخبرته أنه قد صح في الحديث أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ذي روح ، فبدأ بالاستهزاء وقال : أطلب من الملائكة أن تظل بعيداً عن الطابق السفلي لوجود تلك الصور ، لكن يمكنها أن تذهب إلى الطابق العلوي لخلوه من أي صورة ! وذات مرة كان يغتاب ابن عمه أمامي ، فنصحته بلطف ، وطلبت منه أن يبتعد عن الغيبة ، فغضب غضباً شديداً ، وطلب مني عدم نصحه في هذا الموضوع وقال : إذا كان عقاب الغيبة النار فلا أبالي أن أدخلها . فهل ارتد والدي عن الإسلام وأصبح كافراً عندما سخِر من أحكام الشريعة ورفضها كبراً وغطرسة. لقد توقفت عن أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ؛ لأنني أخشى عليه أن يكفر . لكن بالمقابل أخشى أن أكون قد ارتكبت ذنباً عظيماً بالابتعاد عن هذا العمل العظيم ، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأخشى أن أعاقب بقسوة القلب لتركي هذه العبادة الفاضلة. فما رأيكم . هل استمر في التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الحالة أم ماذا ترون ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.


الذي ننصحك به أن تترك أمر والدك بالمعروف ونهيه عن المنكر ؛ لما يترتب عليه من منكر أعظم ، فليس من الشرع ولا من الحكمة أن توقع والدك فيما هو أفحش وأسوأ ، إذ المقصود هو التذكير بالله لعل التذكرة تنفع ، لكن إذا غلب احتمال ضرر التذكرة فعدمها أولى وأوجب . ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرعه الله عز وجل لمقصد سامٍ ، وهو نشر الخير ومحاربة الشر ، فإذا ترتب عليه ما هو أكثر شرا وأكثر فسادا لم يجز الأمر والنهي حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه ، فلا تَدْعُ إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه ، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 125).
وقال أيضا رحمه الله :
" الأمر والنهي - وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة - فينظر في المعارض له :
فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/ 129).
وقال ابن القيم رحمه الله :
" إنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده (وضده هو المعروف) .
الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة .
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ، كرمي النشاب (السهام) ، وسباق الخيل ، ونحو ذلك .
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية ، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك .
وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر ، فدعه وكتبه الأولى . وهذا باب واسع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال ، فدعهم .
والمثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو) رواه أبو داود . فهذا حد من حدود الله تعالى ، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم " انتهى من " إعلام الموقعين " (3/12-13).
هذا وإذا كان المأمور بالمعروف أو المنهي عن المنكر أحد الوالدين ، كان حقه أوجب أن يحفظ ، ومصلحته أولى أن تراعى ، فقد ذكر العلماء أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن يتحلى بمزيد من الرفق واللين إذا كان خطابه موجها لأحد والديه .
فقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له والدة تسيء الصلاة والوضوء . فقال : يأمرها ويعلمها . قال : تأبى أن يعلمها ، تقول : أنا أكبر منك تعلمني ! قال : فترى له أن يهجرها أو يضربها على ذلك ؟ قال : لا ، ولكن يعلمها ويقول لها ، وجعل يأمره أن يأمرها بالرفق . ينظر " مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود " (ص372).

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...