عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الإنفاق على الإخوة والأخوات، وشروطه
أنا الابن الأكبر، ولدي إخوة متزوجون، وأخوات متزوجات، مشكلتي أن أمي تعتبرني مسؤولا عن جميع إخوتي ماديا، وهذا واجب من وجهة نظرها وليس كرما. وهي تغضب مني إن شعرت بأني متردد في إرسال المال لهم. تهددني بأنها غاضبة علي، وأن الله سيعاقبني وأني سأكون عاقا إن لم أفعل. رجاء أفيدوني ما الحكم الشرعي في ذلك، علما أن إخوتي أيضا يطالبونني بالمال جهارا، ويكثرون من ذمي وذم عطائي في نفس الوقت، يساعدهم في ذلك وقوف أمي إلى جانبهم دوما ولو أهانوني. لا حول ولا قوة إلا بالله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنفاق على الإخوة مختلف في وجوبه من حيث الأصل، فمذهب المالكية، والشافعية أنه لا يجب مطلقا، ومذهب الحنفية وجوب الإنفاق على الإخوة، ومذهب الحنابلة وجوب الإنفاق على الإخوة إن كان المنفق سيرثهم.
وعلى القول بوجوب النفقة على الإخوة فإنها مشروطة بشروط.
قال ابن قدامة في المغني: يشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء، لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم، فاضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله، وإما من كسبه. فأما من لا يفضل عنه شيء، فليس عليه شيء؛ لما روى جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان أحدكم فقيرا، فليبدأ بنفسه، فإن فضل، فعلى عياله، فإن كان فضل، فعلى قرابته.» وفي لفظ: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول» . حديث صحيح. وروى أبو هريرة، «أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك قال: عندي آخر. قال: تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت أبصر.» رواه أبو داود، ولأنها مواساة، فلا تجب على المحتاج، كالزكاة. اهـ.
فلا تجب عليك النفقة على إخوانك لا سيما إن كانوا أغنياء، أو قادرين على الكسب.
وقد سئل ابن تيمية عن رجل له ولد، وطلب منه ما يمونه؟
فأجاب: إذا كان موسرا وأبوه محتاجا فعليه أن يعطيه تمام كفايته، وكذلك إخوته إذا كانوا عاجزين عن الكسب: فعليه أن ينفق عليهم إذا كان قادرا على ذلك. اهـ.
فاشترط لوجوب النفقة عجر المنفَق عليه عن الكسب .
وكذلك أخواتك لا تجب عليك نفقتهن ما دمن متزوجات، ولو كن محتاجات للنفقة.
قال الهيتمي : لا تكلف الأم أو البنت التزوج؛ لأن حبس النكاح لا غاية له بخلاف سائر الأكساب، وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا، ما لم تفسخ لتعذر إيجاب نفقتين. كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر، فكان القياس اعتباره إلا أن يقال: إنها بقدرتها عليه مفوتة لحقها، وعليه فمحله في مكلفة، فغيرها لا بد من التمكين وإلا لم تسقط عن الأب فيما يظهر . اهـ.
والنفقة الواجبة شرعا إنما هي في الاحتياجات الأساسية فحسب، وليست كما يظنه كثير من الناس أن يعطى المنفَق عليه كل ما يطلبه.
قال الحجاوي: والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم، والكسوة، والمسكن بقدر العادة. اهـ .
وحيث لم تجب عليك النفقة على إخوتك فلا تلزمك طاعة والدتك في ذلك، ولا يعد امتناعك عن النفقة على إخوتك حينئذ عقوقا لها؛ وانظر في هذا الفتوى رقم: 64329 ، ولتبين لوالدتك أن إيجاب ذلك عليك ظلم، ولم يأت الشرع به .
وأما إساءة إخوتك مع عطائك لهم، فإنه مما يعظم أجرك إن شاء الله ، فعن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله؛ إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك . أخرجه مسلم.
والله أعلم.