عنوان الفتوى : حكم التلفيق والتنقل بين المذاهب إذا كان لاتباع الحق دون اتباع الهوى
هل يحرم التلفيق إذا كان في اتباع الحق والأقوى دليلا ، وليس في اتباع الهوى ؟ فقد كنت أصلي وأرى أن الإفرازات لا تنقض الوضوء ، خصوصا عند خروجي من البيت وعدم مقدرتي على الوضوء ، لاعتقادي بقوة أدلة من قال بعدم النقض ، وليس اتباعا للهوى . وعلمت أن ابن حزم قال ذلك ، وكنت أمسك يد أبي أو أخي ، ولا أتوضأ ، اتباعا لمذهبي ( الحنفية) ، ومذهب ابن حزم يقول بالنقض إذا لمست يد أبي أو أخي . مع العلم أني قرأت عن الشيخ ابن العثيمين أنه يرى أنه إذا كانت هذه الإفرازات مستمرة : لا يجب الوضوء لكل صلاة ، ويرى أن لمس يد المحرم ونحوه لا ينقض الوضوء . ولم أستطع معرفة قول ابن حزم إلا مؤخرا ، فلم أجد كتبا لمذهبه إلا قبل فترة قليلة فهل صلاتي سابقا صحيحة ؟
الحمد لله
أولا:
لتلفيق في اللغة: مصدر لفَّق , يقال: لفق بين الثوبين : لأم بينهما بالخياطة , ولفق
الحديث: زخرفه وموَّهه بالباطل فهو مُلَفَّق .
وأما في الاصطلاح : فهو القيام بعمل واحد يجمع فيه بين عدة مذاهب ، بحيث لا يمكن
اعتبار هذا العمل صحيحا في أي مذهب من المذاهب .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية "(13 / 293) :
" الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ : أَخْذُ صِحَّةِ الْفِعْل مِنْ
مَذْهَبَيْنِ مَعًا ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلاَنِهِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِمُفْرَدِهِ .
وَمِثَالُهُ : مُتَوَضِّئٌ لَمَسَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِلاَ حَائِلٍ ،
وَخَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ ،كَدَمٍ ، مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ، فَإِنَّ هَذَا
الْوُضُوءَ بَاطِلٌ بِاللَّمْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَبَاطِلٌ بِخُرُوجِ
الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلاَ يُنْتَقَضُ
بِخُرُوجِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
، وَلاَ يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِاللَّمْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِذَا صَلَّى
بِهَذَا الْوُضُوءِ ، فَإِنَّ صِحَّةَ صَلاَتِهِ مُلَفَّقَةٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ
مَعًا " انتهى .
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الصورة : فذهب بعضهم إلى عدم الجواز , بل حكى البعض
الإجماع على فساد هذا العمل وبطلانه . جاء في " الدر المختار وحاشية ابن عابدين "
(1 / 383): "الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ" انتهى.
وذهب بعضهم إلى الجواز , جاء في " الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي "(1 /
20): "وَبِالْجُمْلَةِ : ففِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ
مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ : الْمَنْعُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ ,
وَالْجَوَازُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَرُجِّحَتْ " انتهى .
والقول بالجواز هو الراجح , جاء في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1 /
391): " وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ وَأَخْتَارُهُ : الْقَوْلُ بِجَوَازِ
التَّقْلِيدِ فِي التَّلْفِيقِ ، لَا بِقَصْدِ تَتَبُّعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ
تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَسَقَ ، بَلْ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ، خُصُوصًا
مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَسْعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ .
فَلَوْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ ، وَمَسَحَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا
لِلشَّافِعِيِّ ، فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ ، فَلَوْ لَمَسَ ذَكَرَهُ
بَعْدَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُضُوءَ
هَذَا الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ ، وَلَمْسَ الْفَرْجِ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ ، فَإِذَا قَلَّدَهُ فِي عَدَمِ نَقْضِ مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ ، اسْتَمَرَّ الْوُضُوءُ عَلَى حَالِهِ بِتَقْلِيدِهِ لِأَبِي
حَنِيفَةَ ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ التَّقْلِيدِ .
وَحِينَئِذٍ ، فَلَا يُقَالُ: الشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا الْوُضُوءِ
بِسَبَبِ مَسِّ الْفَرْجِ ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى الْبُطْلَانَ لِعَدَمِ مَسْحِ
رُبْعِ الرَّأْسِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ ؛
لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا بِتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ ، وَيَسْتَمِرُّ
صَحِيحًا بَعْدَ اللَّمْسِ بِتَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ ، فَالتَّقْلِيدُ لِأَبِي
حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ ، لَا فِي ابْتِدَائِهَا ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ وُضُوءِ هَذَا الْمُقَلِّدِ قَطْعًا،
فَقَدْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا هُوَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ" انتهى.
أما أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة ما ، ويقلد مذهباً آخر في مسألة أو مسائل أخرى
غيرها ، فهذا ليس من التلفيق .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (13 / 294) :
" أَمَّا الأخْذُ بِأَقْوَال الأئِمَّةِ فِي مَسَائِل مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ
تَلْفِيقًا , وَإِنَّمَا هُوَ تَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ ، أَوْ تَخَيُّرٌ
مِنْهَا" انتهى .
وهذ جائز ، إذا لم يكن الدافع للفعل مجرد اتباع الهوى والشهوات , لأنه لا يلزم أحدا
من الناس أن يأخذ بقول إمام من الأئمة ، يقلده دون غيره في كل ما يقوله .
وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في "إعلام الموقعين عن رب
العالمين" (4 / 202) :
"وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا قَطُّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ
الْأُمَّةِ ، بِحَيْثُ يَأْخُذُ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ
. وَهَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ حَدَثَتْ فِي الْأُمَّةِ ، لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ
مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ أَعْلَى رُتْبَةً وَأَجَلُّ قَدْرًا
وَأَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ بِذَلِكَ ،
وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ
عَالِمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ
يَتَمَذْهَبَ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ،
مَاتَتْ مَذَاهِبُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَمَذَاهِبُ التَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ،
وَبَطَلَتْ جُمْلَةً ، إلَّا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ فَقَطْ ، مِنْ بَيْنَ
سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَهَلْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ
الْأَئِمَّةِ ، أَوْ دَعَا إلَيْهِ ، أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ
مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْه " انتهى.
بقيت صورة أخرى ذات صلة بهذه المسألة ، وهي: أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة معينة
، فإذا تكررت معه نفس المسألة ، أخذ فيها برأي مذهب آخر ، وهذه الصورة جائزة إذا
كان الدافع اتباع الحق ؛ مثل أن يتبين له أن الحق مع هذا القول الذي جاءه متأخرا ,
أما إن كان الدافع اتباع الهوى فلا يجوز , وفي ذلك يقول العلامة ابن تيمية - رحمه
الله تعالى - في " مجموع الفتاوى " (20 / 220) :
" مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ، ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ
تَقْلِيدٍ لِعَالِمِ آخَرَ أَفْتَاهُ ؛ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلِ يَقْتَضِي
خِلَافَ ذَلِكَ ، وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ ؛
فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا
تَقْلِيدٍ ، فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ؛ فَهَذَا
مُنْكَرٌ...
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ
يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ، ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ
وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ
الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَهَا أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ، ثُمَّ إذَا طَلَبْت مِنْهُ
شُفْعَةَ الْجِوَارِ اعْتَقَدَهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً ، أَوْ مِثْلَ مَنْ
يَعْتَقِدُ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ : أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ ،
فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ
، أَوْ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِعْبِ الشِّطْرَنْجِ , وَحُضُورِ
السَّمَاعِ ، أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا
فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقُهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي
لَا تُنْكَرُ .
فَمِثْلُ هَذَا مُمْكِنٌ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ ،
وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ ، بِحَسَبِ هَوَاهُ ؛ هُوَ مَذْمُومٌ بِخُرُوجِهِ ،
خَارِجٌ عَنْ الْعَدَالَةِ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا
لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُوجِبُ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ ، إمَّا
بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا وَيَفْهَمُهَا ، وَإِمَّا
بِأَنْ يَرَى أَحَدَ رَجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ ،
وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ ، فَيَرْجِعُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ
لِمِثْلِ هَذَا , فَهَذَا يَجُوزُ ، بَلْ يَجِبُ , وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد
عَلَى ذَلِكَ" انتهى.
ثانيا:
الواجب على العامي الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه
، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأنبياء/43-44 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى
أنواعه : العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع
الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم ، وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج
الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... " انتهى من
"تفسير السعدي" (441).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " واجتهاد العامة : هو طلبهم العلم من
العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .
فإذا سأل العامي العالم الذي يثق في علمه وورعه ، فأفتاه ؛ فعليه أن يتبع فتواه , ولا يترك قوله إلى قول غيره لمجرد اتباع الهوى والأخذ بالأيسر , فإن هذا من تتبع الرخص المذموم , وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم : (10645) , والفتوى رقم : (192787).
أما إن ترك قول مفتيه إلى
قول غيره من أهل العلم ، لا لمجرد الهوى واتباع ما تشتهيه نفسه , بل لأمر ديني ،
مثل أن يتبين له رجحان قول الآخر على ما قاله الأول , أو ترك قول العالم إلى من هو
أعلم منه وأورع ، فهنا : لا حرج عليه , بل يجب عليه ذلك كما سبق بيانه .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإذا ترجح عند المستفتي أحد
القولين : إما لرجحان دليله - بحسب تمييزه - ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله
ذلك وإن خالف قوله المذهب" .
انتهى من" مجموع الفتاوى( 33 / 168 ) .
وقال رحمه الله : " إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين
رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب
على ذلك ، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ،
ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه
وسلم على كل أحد في كل حال ..." .
انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .
ثالثا:
الإفرازات التي تخرج من المرأة طاهرة على القول الراجح , ولكن خروجها ينقض الوضوء
على القول الراجح أيضا , بل هو قول جماهير أهل العلم خلافا لابن حزم , فإذا كانت
هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار ، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولا
يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك ، ولو كانت في الصلاة ، وإذا شق عليها الوضوء لكل
صلاة ، لكونها في مكان لا تستطيع فيه الوضوء ، فلها أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر
، وبين صلاتي المغرب والعشاء ، فتصليهما في وقت إحداهما ، بأن تتوضأ وضوءً واحداً
وتصلي الصلاتين معاً .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (50404)
, والفتوى رقم : (112759) .
رابعا:
لمسُكِ لمحارمِك لا ينقض الوضوء ؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن لمس الرجل
للمرأة - ومثله لمس المرأة للرجل - لا ينقض الوضوء مطلقا , وقد سبق بيان ذلك في
الفتوى رقم : (76115).
خامسا:
أما صلاتك السابقة التي أديتها مقلدة لمذهب من يقول بعدم بطلان الوضوء بهذه
الإفرازات : فهي صلاة صحيحة ؛ لأنك فعلتها متأولة صواب ذلك ، مقلدة لبعض أهل العلم
المجتهدين .
والله أعلم.