عنوان الفتوى : هل يجوز لهم هجر أختهم التي تزوجت بغير موافقتهم في المحكمة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

امرأة مطلقة ، تزوجت من رجل غير كفء لها ، فهو أصغر منها بعشر سنوات ، وأقل في المستوى الاجتماعي منها ، وغلب على هدا الزوج استغلال ظروف الزوجة ، وتزوجت بغير رضى من إخوتها الرجال ، حيث إن والدها متوفى ، وعارض الإخوة والوالدة هذا الزواج ، ولكنها تزوجت في المحكمة ، بحكم أنها ثيب ، هل يجوز لإخوتها مقاطعتها ، وعدم صلتها ، لأنها ضربت برأيهم عرض الحائط ، أو يلحقهم إثم بقطع الرحم ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة أو وكيله ، وأن يشهده شاهدان مسلمان عدلان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) ، والترمذي (1101) ، وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم (7557) .

ولكن قد ذهب بعض الأئمة إلى أنه يجوز للمرأة أن تعقد النكاح لنفسها ، وقد أخذت بعض الدول الإسلامية بهذا القول ؛ وعلى ذلك : فإن كان النكاح قد تم في المحكمة ، أو على يد مأذون الأنكحة ، فهذا النكاح يحكم بصحته ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال : (132787) .
ثانيا :
ما فعلته هذه المرأة يختلف حكمه باختلاف الحال ، فإن كان هذا الذي تقدم للزواج منها كفؤا لها ، ونعني بالكفاءة هنا كفاءة الدين بمعنى أنه مسلم عفيف غير فاسق ، على الراجح من كلام أهل العلم في اعتبار الكفاءة ، كما بيناه في الفتوى رقم : (84306) ؛ فحينئذ لا يجوز لأهلها - ابتداء - أن يمنعوها من الزواج منه ، بحجة كون زوجها أصغر منها سنا ، أو أقل منها في المستوى الاجتماعي ، فهذا لا يقدح في كفاءته لها . فإن منعوها ولجأت إلى القضاء ليزوجها ، فلا تثريب عليها ، ولا حرج في فعلها ؛ لأنها لم تفعل إلا أن استوفت حقها في الزواج بمن تريده ، ومنع أهلها لها من ذلك ظلم لها ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (32580) ، وفي هذه الحالة لا يجوز لأهلها أن يهجروها ، وإلا كانوا يكررون الظلم لها مرة أخرى .
ويتأكد هذا الظلم إذا نظرنا إلى حال المرأة الثيب والمطلقة على وجه الخصوص ، وما تعانيه من ظلم اجتماعي ، وقلة فرص الزواج المناسب مرة أخرى ، بحيث يصبح كل أمل لها في الزواج ، والعفاف ، والاستقرار ، فرصة يصعب إضاعتها ، من غير سبب معتبر .
أما إن كان الذي تقدم لها غير كفء لها ؛ بمعنى أنه مبتدع أو فاسق ؛ فحينئذ يكون اعتراض أهلها في محله ؛ لأن الفاسق والمبتدع : ليس كفؤا لأن يزوج من المسلمة العفيفة .
قال النووي رحمه الله :
"وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَفِيفَةِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الشُّهْرَةُ ، بَلْ مَنْ لَا يُشْهَرُ بِالصَّلَاحِ كُفْءٌ لِلْمَشْهُورَةِ بِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْفَاسِقُ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ ، فَالْمُبْتَدِعِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كُفْئًا لِلنَّسِيبَةِ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -." .
انتهى من "روضة الطالبين" (7/81) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى فسخ مثل هذا النكاح ، إذا وقع .
وينظر: "الشرح الكبير" الدردير ، و"حاشية الدسوقي : عليه (2 / 249) .
وحينئذ ؛ فإصرارها على الزواج منه ، مخالِفةً لأهلها ، وعاقَّة لأمها : يجعلها عاصية آثمة .
مع أن الذي نراه لأهلها ألا يهجروها ، حتى في هذه الحال ؛ لأن الزواج قد وقع وتم ، ومن الصعوبة بمكان : فسخه ورده مرة أخرى ، لا سيما مع الظروف الخاصة بأختكم ، والذي ننصحهم به : أن يحاولوا أن يستصلحوها هي وزوجها ، لعل الله سبحانه أن يصلحهما على أيديهم ، ويرزقهم العفاف ، ويكفيهم مؤنتها .
والله أعلم.