عنوان الفتوى : هل يجوز لهم هجر أختهم التي تزوجت بغير موافقتهم في المحكمة ؟
امرأة مطلقة ، تزوجت من رجل غير كفء لها ، فهو أصغر منها بعشر سنوات ، وأقل في المستوى الاجتماعي منها ، وغلب على هدا الزوج استغلال ظروف الزوجة ، وتزوجت بغير رضى من إخوتها الرجال ، حيث إن والدها متوفى ، وعارض الإخوة والوالدة هذا الزواج ، ولكنها تزوجت في المحكمة ، بحكم أنها ثيب ، هل يجوز لإخوتها مقاطعتها ، وعدم صلتها ، لأنها ضربت برأيهم عرض الحائط ، أو يلحقهم إثم بقطع الرحم ؟
الحمد لله
أولا :
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة أو وكيله ، وأن يشهده شاهدان مسلمان عدلان ؛
لقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) ،
والترمذي (1101) ، وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في
" صحيح الترمذي " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ
وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في " صحيح
الجامع " برقم (7557) .
ولكن قد ذهب بعض الأئمة إلى
أنه يجوز للمرأة أن تعقد النكاح لنفسها ، وقد أخذت بعض الدول الإسلامية بهذا القول
؛ وعلى ذلك : فإن كان النكاح قد تم في المحكمة ، أو على يد مأذون الأنكحة ، فهذا
النكاح يحكم بصحته ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال : (132787)
.
ثانيا :
ما فعلته هذه المرأة يختلف حكمه باختلاف الحال ، فإن كان هذا الذي تقدم للزواج منها
كفؤا لها ، ونعني بالكفاءة هنا كفاءة الدين بمعنى أنه مسلم عفيف غير فاسق ، على
الراجح من كلام أهل العلم في اعتبار الكفاءة ، كما بيناه في الفتوى رقم : (84306)
؛ فحينئذ لا يجوز لأهلها - ابتداء - أن يمنعوها من الزواج منه ، بحجة كون زوجها
أصغر منها سنا ، أو أقل منها في المستوى الاجتماعي ، فهذا لا يقدح في كفاءته لها .
فإن منعوها ولجأت إلى القضاء ليزوجها ، فلا تثريب عليها ، ولا حرج في فعلها ؛ لأنها
لم تفعل إلا أن استوفت حقها في الزواج بمن تريده ، ومنع أهلها لها من ذلك ظلم لها ،
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (32580)
، وفي هذه الحالة لا يجوز لأهلها أن يهجروها ، وإلا كانوا يكررون الظلم لها مرة
أخرى .
ويتأكد هذا الظلم إذا نظرنا إلى حال المرأة الثيب والمطلقة على وجه الخصوص ، وما
تعانيه من ظلم اجتماعي ، وقلة فرص الزواج المناسب مرة أخرى ، بحيث يصبح كل أمل لها
في الزواج ، والعفاف ، والاستقرار ، فرصة يصعب إضاعتها ، من غير سبب معتبر .
أما إن كان الذي تقدم لها غير كفء لها ؛ بمعنى أنه مبتدع أو فاسق ؛ فحينئذ يكون
اعتراض أهلها في محله ؛ لأن الفاسق والمبتدع : ليس كفؤا لأن يزوج من المسلمة
العفيفة .
قال النووي رحمه الله :
"وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَفِيفَةِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الشُّهْرَةُ ،
بَلْ مَنْ لَا يُشْهَرُ بِالصَّلَاحِ كُفْءٌ لِلْمَشْهُورَةِ بِهِ ، وَإِذَا لَمْ
يَكُنِ الْفَاسِقُ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ ، فَالْمُبْتَدِعِ أَوْلَى أَنْ لَا
يَكُونَ كُفْئًا لِلنَّسِيبَةِ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -." .
انتهى من "روضة الطالبين" (7/81) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى فسخ مثل هذا النكاح ، إذا وقع .
وينظر: "الشرح الكبير" الدردير ، و"حاشية الدسوقي : عليه (2 / 249) .
وحينئذ ؛ فإصرارها على الزواج منه ، مخالِفةً لأهلها ، وعاقَّة لأمها : يجعلها
عاصية آثمة .
مع أن الذي نراه لأهلها ألا يهجروها ، حتى في هذه الحال ؛ لأن الزواج قد وقع وتم ،
ومن الصعوبة بمكان : فسخه ورده مرة أخرى ، لا سيما مع الظروف الخاصة بأختكم ، والذي
ننصحهم به : أن يحاولوا أن يستصلحوها هي وزوجها ، لعل الله سبحانه أن يصلحهما على
أيديهم ، ويرزقهم العفاف ، ويكفيهم مؤنتها .
والله أعلم.