عنوان الفتوى : واجب الأمة تجاه أكاذيب وسائل الإعلام ودورها المسيء
ما حكم الإعلام المرجف؟ وما حكم هؤلاء الإعلاميين الذين ينشرون الأكاذيب بين الناس ويحدثون الشقاق بين الناس؟ وهل هؤلاء الذين يتابعونهم آثمون، لأنهم يتابعون هذا الإعلام الكاذب في حين أنه يرى الفضائيات الصادقة ويعرض عنها؟ وما هو عقابهم في الآخرة؟ فقد عاثوا في مصر فساداً وتسببوا في انتشار الجرائم وشق الصف المصري وتأليب الناس بعضهم على بعض، فأصبح البيت الواحد به ما به من كراهية الأفراد بعضهم لبعض والأهل بعضهم لبعض، وهل يجب الخروج عليهم وقتالهم، لأنهم يفسدون في الأرض؟ أرجو إجابة محددة لسؤالي وجزاكم الله خيراً عن المسلمين، أرجو عدم إهمال سؤالي، لأننا نعيش أياما عصيبة ونريد ما يشفي صدورنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في الدور السيئ الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام، وأنها من أهم أسباب الفساد العقدي والأخلاقي وغير ذلك من أنواع الفساد، وكلما ازدادت شيوعا واتسعت نطاقا، كلما زاد الشر وعم البلاء، ويصدق على كثير من روادها قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه. رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: شرار عباد الله المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت. رواه أحمد وحسنه الألباني بطرقه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة. رواه الترمذي وقال: حديث صحيح غريب من هذا الوجه ـ ومعنى قوله: وسوء ذات البين ـ إنما يعني العداوة والبغضاء، وقوله: الحالقة: يقول إنها تحلق الدين ـ وحسنه الألباني.
كما يصدق عليهم رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أنواع العذاب في القبر، ومنها: رجل جالس، ورجل قائم بيده كلوب من حديد، فيدخل ذلك الكَلُّوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ـ وتأويل هذا أن الذي يشق شدقه كذاب، يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة. رواه البخاري.
وقد قال الله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا {الأحزاب: 60ـ 62}.
قال السعدي: لم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك كل ما توحي به أنفسهم إليهم وتوسوس به، وتدعو إليه من الشر من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ـ أي: نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم، ثم إذا فعلنا ذلك، لا طاقة لهم بك، وليس لهم قوة ولا امتناع، ولهذا قال: ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا ـ أي: لا يجاورونك في المدينة إلا قليلا بأن تقتلهم أو تنفيهم، وهذا فيه دليل، لنفي أهل الشر الذين يُتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين، فإن ذلك أحسم للشر وأبعد منه، ويكونون: مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ـ أي: مبعدين، أين وجدوا، لا يحصل لهم أمن، ولا يقر لهم قرار، يخشون أن يقتلوا، أو يحبسوا، أو يعاقبوا: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ـ أن من تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه فإنه يعاقب عقوبة بليغة. اهـ.
ولا ريب في أن آفات اللسان المهلكة تظهر كلها، أو جلها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وراجع الفتوى رقم: 135087.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 49430، ورقم: 65531.
والواجب على المسلمين تجاه هذا المنكرات التي تعرض في وسائل الإعلام أن يعرضوا عنها ولا يلتفوا إليها لا أن يتابعوها أو يحتفوا بها, جاء في الموسوعةالفقهية: قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمنا كان، أو كافرا، واستدلوا بقوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ـ ولقوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ـ قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر... وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها. اهـ.
وجاء في روضة العقلاء:
وسمعك صن عَن سماع القبيح * كصون اللسان عَن النطق به.
فـإنـك عـنـد اسـتماع القبيح * شــريـك لقـائلـه فـانـتـبـه.
وراجع في ضوابط العمل في مجال الإعلام الفتويين رقم: 13560، ورقم: 18337، ودور المجتمع المسلم نحو وسائل الإعلام الفتوى رقم: 7113.
وأما مسألة معاقبة هؤلاء لكونهم يفسدون في الأرض: فهذا لا يصح فعله من آحاد الناس، لما يترتب عليه من انتشار الفوضى وزيادة الشر والفساد، والمنوط به محاسبة هؤلاء وزجرهم ومعاقبتهم هم أولو الأمر، وإلى الله المشتكى وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي والعظيم.
والله أعلم.