عنوان الفتوى : مهنة الصحافة ... رؤية شرعية
1-ماحكم الاسلام في مهنة الصـحـافـة ؟وماهي ضوابطها الشرعية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحافة وسيلة إعلامية معروفة لها تأثيرها البالغ على الأفراد والمجتمعات، ولها أهمية كبرى في إطلاع القراء على مجريات الأحداث وتوجيههم حسب وجهة من يكتب فيها، ولا يخفى أن الصحافة قد استغلت منذ نشأتها ضد المسلمين في غالب الأحيان، وذلك لأن القائمين عليها أغلبهم كانوا من اليهود والنصارى والملحدين، إضافة إلى سعيهم الحثيث في نشر الإلحاد والانحلال، وتلميع الباطل وترويجه، ولم ينتبه لهذا أكثر المسلمين، ومن انتبه منهم، فقد انتبه متأخراً جداً بعد أن فات الأوان أو كاد يفوت.
أما الآن وقد حصل ما حصل، فالذي نراه هو أن على المسلمين أن يبذلوا ما يستطيعونه من جهود في هذا الجانب وفق ضوابط محددة أهمها الالتزام الكامل بهدي الإسلام، لأن الله جل وعلا كما تعبدنا بتحصيل الغايات تعبدنا بالانضباط بنهجه عند السعي في تحصيلها، فالغاية لا تبرر الوسيلة في هذا الدين الحنيف.
وحكم العمل في مهنة الصحافة يتوقف على نوعية العمل، وطبيعة الصحيفة المراد العمل بها، حيث تتنوع الصحف فمنها:
1- الصحف الجادة الهادفة والملتزمة، كالصحف والدوريات التي تعنى ببعض أنواع العلوم النافعة للبشرية، وكالصحف والمجلات الإسلامية التي تعنى بالأخبار الصادقة، وتبصير المسلمين بأمور دينهم ودنياهم. فالعمل في هذه الصحف مباح استصحاباً للأصل، ما لم يقم مانع شرعي خارج عن هذا الأصل، وقد يجب في بعض الأحوال حسب الحاجة.
2- ومنها الصحف الهابطة، وهي صحف الإثارة والتشهير، ونحو ذلك، وهي التي تعتمد في ترويجها على المحرمات كنشر الصور العارية، أو نشر الفضائح والجرائم في المجتمع، أو تقوم على خدمة أعداء الإسلام للنيل من قضايا الإسلام وثوابته، إضافة إلى مصادر تمويلها المشبوهة والمحرمة... فهذه الصحف لا يجوز العمل فيها، لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان الذي حذر الله تعالى منه، حيث قال: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
3- ومنها الصحف المختلطة التي خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ففيها صفحات للهو والمجون وما لا فائدة منه، وفيها صفحة أو أكثر تسمى الصفحة الدينية، والعمل فيها لا يأخذ حكماً واحداً، فتارة يجوز، وتارة لا يجوز، وتارة يجب حسب الحال ووفق ضوابط معينة.
وخلاصة القول: إنه لا يجوز للمسلم أن يعمل في هذه الصحف المختلطة إلا إذا التزم بالضوابط الشرعية ومنها:
- أن لا يؤدي عمل المسلم بها إلى تنازله عن ثوابت دينه، أو الوقوع في الكبائر والمحرمات.
- أن يلتزم بالصدق، وأن يجتنب الكذب.
واعتماد كثير من الصحف على الكذب والإشاعات في ترويج مادتها بحجة أن الخبر لا يسمى خبراً صحفياً إلا إذا صاحبه نوع تلفيق أو زيادة لا عبرة به، ويكفينا تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب حيث قال: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
هذا إضافة إلى أن الكذب يجعل القارئ اللبيب يفقد ثقته في الصحيفة...إلخ.
- وأن يلتزم بالأمانة العلمية، والدقة في النقل، والموضوعية في طرح الموضوعات.
- أن يحذر من الخوض، أو الوقوع في أعراض المسلمين أو المسلمات بالقذف أو بالغيبة والنميمة، أو بالفضيحة والتشهير، فكل ذلك من كبائر الذنوب.
- أن لا يعمل بصحيفة غالب أموالها أو جل أموالها من الحرام. أما إن كان حلالاً أو غلب عليه الحلال، فلا بأس.
إضافة إلى أن الصحفي المسلم ينبغي أن يتوفر لديه حس الناقد، والرغبة في الإصلاح والتغيير، وأن لا يكون إمعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا" رواه الترمذي.
هذا ما تيسر ذكره، وإن أردت التوسع فيمكنك مراجعة ما كتب عن الإعلام من وجهة النظر الإسلامية.