عنوان الفتوى : القول بأن (ق) جبل محيط بالأرض من خرافات بني إسرائيل

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما صحة ما ورد في كتب التفسير في أنّ " قاف " وهو من الحروف المقطعة الوارد ذكرها في القرآن الكريم هو جبل يحيط بجميع الأرض مع علمنا بأنه لا يوجد جبل يحيط بالأرض ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
القول بأن (ق) جبل يحيط بالأرض قول باطل لا يصح ، وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ما يدل على وجود هذا الجبل ، فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى الدين ولا إلى القرآن الكريم ، ولعل هذا القول هو من الإسرائيليات التي توسع بعض الناس في التحدث بها .

والصحيح في تفسير (ق) أنه حرف من الحروف الهجائية كتلك الحروف التي افتتحت بها بعض السور ، ولمعرفة المزيد عن الحكمة من هذه الأحرف تنظر الفتوى رقم : (21811) .

وقد تكلف بعض الناس في دلالة (ق) ما معناه ؟ على أقوال كثيرة ، منها هذا القول الذي ذكره السائل .

قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله :
" و ( ق ) حرف هجاء ، وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد عشر قولا متعارضة ، لا دليل على صحة شيء منها ، فاطرحت نقلها في كتابي هذا " انتهى من " البحر المحيط " (9/528) .

وقال القرافي رحمه الله - عن هذا القول الذي سأل عنه السائل - :
" وهذا القول باطل ... ومن جهة السّنَّة لم يرد ذلك في شيء علمته ، فلا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه " انتهى من " اليواقيت في أحكام المواقيت " (ص/83) .

ومما يدل على بطلان هذا القول :
أولا : لو كان هذا الجبل موجودا لأمكن مشاهدته بالعين ، والحس والمشاهدة يشهدان بعدم وجوده ، كما قال ذلك القرافي في كتابه " اليواقيت في أحكام المواقيت " (ص/83) ، والألوسي في تفسيره " روح المعاني " (25/413) .

ثانيا : جزم بعض العلماء كابن كثير رحمه الله بأن هذا القول هو من خرافات بني إسرائيل . فقال : " وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا ( ق ) : جبل محيط بجميع الأرض ، يقال له جبل قاف ، وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما لا يصدق ولا يكذب . وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم ، يُلَبِّسون به على الناس أمر دينهم ، كما افْتُرِي في هذه الأمة - مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها - أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قِدَمٍ ، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى ، وقلة الحفاظ النقاد فيهم ، وشربهم الخمور ، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ، وتبديل كتب الله وآياته ! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ، ولا حرج ) فيما قد يجوزه العقل ، فأما فيما تحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل . والله أعلم .
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين ، وكذا طائفة كثيرة من الخلف ، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد ، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ، ولله الحمد والمنة " انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/394) .

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله : ( ق ) اسم جبل عظيم محيط بالأرض . وفي رواية عنه أنه اسم لكل واحد من جبال سبعة محيطة بالأرضين السبع واحدا وراء واحد كما أن الأرضين السبع أرض وراء أرض . أي فهو اسم جنس انحصرت أفراده في سبعة ، وأطالوا في وصف ذلك بما أملاه عليهم الخيال المشفوع بقلة التثبت فيما يروونه للإغراب ، وذلك من الأوهام المخلوطة ببعض أقوال قدماء المشرقيين ، وبسوء فهم البعض في علم جغرافية الأرض وتخيلهم إياها رقاعا مسطحة ذات تقاسيم يحيط بكل قسم منها ما يفصله عن القسم الآخر من بحار وجبال ، وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره لولا أن كثيرا من المفسرين ذكروه " انتهى من " التحرير والتنوير " (26/276) .

ثالثا : لو كان (ق) اسم جبل لكتب كاملا كما تكتب الأسماء بثلاثة أحرف هكذا : " قاف " ولم يكتب بحرف هجاء واحد " ق " .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" ومن العجب أن تُفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن ، ألم يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجّي مثل ( الم ) و ( كهيعص ) ولو أريد الجبل الموهوم لكتب (قاف) ثلاثة حروف كما تكتب دوال الأشياء مثل عين : اسم الجارحة ... فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجّي كما لا يخفى " انتهى من " التحرير والتنوير " (26/276) .

والله أعلم .