عنوان الفتوى : تريد النصيحة مع زوجها الذي يقصر في الصلاة أحيانا ويتحجج بأن المجتمع لا يعين على الطاعة

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

زوجي ملتزم شرعا ، ويدرس العلوم الشرعية ، وقارئ جيد ، وعنده ثقافة تاريخية كبيرة جدا ، لا يكف عن القراءة أبدا يوميا . ونحن متزوجان منذ سنتين ونصف ، ومعاملته لي حسنة جدا ، وهو يخدمني بالمنزل ، ويقوم عني في أغلب حاجات المنزل ، ويهتم بالأطفال جدا ، وحسن العشرة ، ويتحمل مني كثيرا من العصبية والهفوات ، ولم يضربني قط ، غير أنه في بعض الأحيان تنتابه فترات تقصير عن الصلاة ، لا يتركها أبدا ، لكنه قد يراكم أحد الفرضين على الآخر ، أو يترك صلاة الجماعة بالمسجد ، ثم يعود ، مع علمه بالحكم . ويشكو فتورا في العبادة ، وفي إحدى المرات كنت في زيارة عند أهلي لوضع حملي الأخير ، وتأخرت عندهم لمدة شهرين ، وكان هو بمفرده في منزله ، فوجدته قائما عابدا محافظا على الصلوات ، ومحافظا على قراءة القرآن الكريم ، وصلاة الجماعة ، والصيام التطوعي . ثم لما أنهيت حملي ورجعت للمنزل فتر عن ذلك كله ، فلما واجهته اتهمني بأنني السبب ؛ لأنني أسيئ إليه في الدعوة إلى الله عز وجل ، ودائما أقسو عليه في المعاملة ، ويشكو من سوء معاملتي له . فدخلني الشك هل أعامله بسوء حقا أم لا . ثم يقول لي إن المشكلة أكبر من الصلاة ، المشكلة أننا في مجتمع جاهلي في بلدنا أشد جاهلية مما سبق . ويقول : انظري لآراء بعض المفكرين في كتبه وانظري كيف نكون في مجتمع يحيى بـ لا إله إلا الله ، منهج حياة ، ونحن في مجتمع يحارب الدين كله . يقول : أفتقد الصحبة التي تثبتني على دين الله عز وجل في هذا الزمن . يقول : إن الذين تاهوا في الطريق أمثال هؤلاء المفكرين ، ثم رجعوا إلى دين الله لما دخلوا المعتقل ثبتوا . فكيف بنا - ولنا في الطاعة زمن - لا نستطيع الثبات ونحن خارج المعتقلات . المشكلة ليست في الصلاة ، المشكلة أكبر من ذلك جدا ، فما الحل ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.


غالبا ما تلجأ النفس المقصرة إلى إحالة تقصيرها إلى أسباب خارجية ، مع محاولة إيهام السامع بضخامة حجم المشكلة ، كي يلتمس العذر لها على تقصيرها ؛ وهو سلوك معروف للنفس الأمارة بالسوء ، ليس على مستوى الفرد فحسب ، بل على مستوى الجماعة أيضا ، وذلك حين تجد الثقافة الجمعية لمجتمع من المجتمعات تدفع نحو إحالة جميع الأزمات التي يعيشها ، إلى أسباب خارجية قاهرة ، كي لا يعترف بالأسباب الداخلية الحقيقية ، وتسلم قوى الفساد من المحاسبة والمراقبة .
فالخلل وقع – بحسب ما نراه في السؤال – من جهتين :
من جهة الزوج أولا ، حين لم يعترف بتقصيره في حق الله عز وجل ، ولم يطلب العفو من الله سبحانه ، بل أخذ يتلمس العذر لنفسه فيما لا معذرة فيه ، وحشر مشاكل " الشرق الأوسط " السياسية والاقتصادية والدينية ، في سلوك فردي لا شأن له بكل هذه الأعذار ، غاية ما هنالك أن يؤدي الركعات نفسها – التي يؤديها قضاء – في وقت الأداء ، من غير تأخير ولا تأجيل . وأن يحافظ على صلاة الجماعة ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
فالمعتقلات والسجون لا شأن لها في عبادة المسلم وعلاقته بربه سبحانه ، وتجارب الصابرين الذين تعرضوا لأشد أنواع البلاء ، لا ينبغي أن تكون سببا في اليأس والقنوط ، فالدنيا بحاضرها وماضيها لم تترك نموذجا إلا واشتملت عليه ، سواء في الصبر والبلاء ، أم في الضعف والشقاء ، أم في الانتصار والعزة والقوة ، وكل ميسر لما خلق الله ، فلا تقايس الأمور برأيك وعقلك الضعيف ، واشتغل بواجب وقتك ، وعامر أيامك ، تكن من الفائزين الناجين عند الله سبحانه .
وأما جهة الخلل الثانية فهي الزوجة ، فقد لمسنا في سؤالها أسلوبا جافا أو قاسيا في النصح والتذكير ، أو على الأقل لمسنا إلحاحا منها في تأنيبها لزوجها يحرمه من فرصة المراجعة والإنابة الذاتية لله عز وجل ، الأمر الذي أدى إلى غضبه وجداله ، وحينئذ لا يمكن إخلاء الزوجة من المسؤولية فيما آلت إليه الأمور .
المقصد الأول من النصيحة – أختنا السائلة – يتحقق بيسر وسهولة بالحوار والمحادثة الهادئة ، وترك التشنج وتهويل الأمور ، وتجنب الإلحاح والتكرار الممل ، كي لا ينفر زوجك عن الالتفات إليك مرة أخرى ، وخاصة أنه – كما ذكرت – صاحب خلق ودين ، يعتني بالنوافل والفرائض ، ولكن التقصير أو الفتور أصابه بعد عودتك إلى المنزل .
وهنا تتأكد في حقك ضرورة مراجعة الأسباب التي من جهتك ، قد يكون ما ذكره زوجك حقا ، وقد يكون مبالغة ، لكن في جميع الأحوال فالأولى والأفضل أن تعملي على إحداث بعض التغيير في حياتك ، وفي علاقتك معه ، وموقفك من تصرفاته ، فتضاعفي عنايتك به ورعايتك له ، وتشددي على توفير أسباب السكينة والطمأنينة في المنزل .
والأهم من ذلك كله أن لا يؤدي بكم التقصير الحالي إلى تقصير أكبر وأعظم ، أو إلى شقاق ونزاع مفسدين لعلاقتكما الأسرية .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما بالنسبة لتفريطه في حق الله عز وجل : فهذا أمرٌ له شأنٌ آخر وعلى المرأة أن تنصح زوجها ، وأن تخاطبه بما تحصل به المصلحة والفائدة ، بدون توبيخٍ أو تأنيب أو ما أشبه ذلك، لأن الزوج يرى أن له على زوجته درجة ، فإذا كلمته على سبيل التأنيب أو التوبيخ ، فقد تأخذه العزة بالإثم ، فلا يقبل الحق ، فعلى المرأة أن تستعمل كل أسلوبٍ تحصل به المصلحة ، وتزول به المفسدة " انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (19/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...