عنوان الفتوى : حكم الصلاة في ثوب فيه صورة
أعلم أن الصلاة في ثوب محرم صحيحة حسب بعض أهل العلم. لكن هل ينطبق ذلك على ثوب قد رسمت فيه أجنحة، يعتبرها البعض أجنحة ملائكة، ودائرة يرسمونها فوق الأجنحة. أتساءل لأن الذنب هنا أعظم؟ وهل تجوز الصلاة فيه إذا اعتبرتها أجنحة عادية بغض النظر عن تصور راسمها؟ بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة في ثوب محرم كالمغصوب والمسروق، باطلة على المشهور عند الحنابلة، وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة مع الإثم، وذلك لانفكاك الجهة هنا، فالمصلي مأمور بستر عورته لأجل الصلاة، وهو منهي عن لبس الثوب المحرم في الصلاة وغيرها.
وهذا هو القول الراجح.
قال القرافي: الَّذِي يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ يَحُجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ. كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، وَالْعِلَّةُ في مَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ وَالسُّتْرَةِ، وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ مُجَاوِرًا وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ من أنوار البروق.
وأما الثوب المشتمل على بعض الرسوم، فتكره الصلاة فيه؛ لأن المصلي مطالب بترك كل ما من شأنه أن يلهيه عن الخشوع في صلاته، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني عن صلاتي. متفق عليه.
قال النووي: وفي الحديث الحث على حضور القلب في الصلاة، وتدبر تلاوتها، وأذكارها، ومقاصدها من الانقياد والخضوع، ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل، وإزالة كل ما يخاف إشغال القلب، وكراهة تزويق محراب المسجد وحائطه، ونقشه، وغير ذلك من الشاغلات، وفيه أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر واشتغال قلب بغيرها، وهذا بإجماع من يعتد به في الإجماع. انتهى.
وقال النووي في المجموع: وأما الثوب الذي فيه صور، أو صليب، أو ما يلهي، فتكره الصلاة فيه، وإليه وعليه للحديث. انتهى.
هذا وينبغي التنبيه إلى تحريم لبس ما فيه صورة، سواء كان الإنسان في الصلاة أو خارجها كما قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويحرم على الكل لبس ما فيه صورة حيوان... انتهى.
وكذا قال في الإقناع: .. ويحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان، وتعليقه، وستر الجدر به، وتصويره كبيرة حتى في ستر، وسقف، وحائط، وسرير ونحوها.. انتهى.
وجاء في مطالب أولي النهى: وحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان. انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/179) : س: هل تجوز الصلاة في ثوب فيه صورة إنسان، أو صور حيوانات، وهل يجوز دخول بيت الخلاء بثوب فيه اسم الله ؟
جـ: لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان، أو طيور، أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي، ولا يجوز كتابة اسم الله على الثوب، وكره دخول بيت الخلاء به إلا لحاجة؛ لما في ذلك من امتهان اسمه تعالى. انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم صلاة من صلى وعلى ملابسه صور ذوات أرواح منسوجة أو مطبوعة ؟
فأجاب بقوله: إذا كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان عالما فإن صلاته صحيحة مع الإثم على أصح قولي العلماء رحمهم الله، ومن العلماء من يقول: صلاته تبطل؛ لأنه صلى في ثوب محرم عليه. انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/360).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان، أو إنسان.
فأجاب بقوله: لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة، أو شماغا أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان؛ وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة.
والله أعلم.