عنوان الفتوى : حكم دعاء الأموات وما قد يحدث من تفريج للكرب أو شفاء للمرض بعد دعائهم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أعلم أن زيارة القبور ودعاء الموتى لا يجوز ، لكنني شهدت حالات يذهب فيها المرضى إلى تلك الأضرحة للتداوي وطلب الشفاء فيعودون بخير . فكيف نفسر ذلك ؟ وهل معنى هذا أنه يمكن للمرضى الذهاب إلى تلك الأضرحة كحل أخير ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
زيارة القبور سنة كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (163231) , وهذا إنما هو في الزيارة الشرعية ( الموافقة لأحكام الشرع ) ، وهناك نوعان من الزيارة لا يشرعان بحال :
الأول : أن يقصد التوسل بالميت إلى الله سبحانه , أو دعاء الله تعالى عند قبر الميت , أو الصلاة عند القبر , فهذا كله من البدع التي نهى عنها الشرع ؛ لأنه وسيلة قوية إلى الشرك بالله جل وعلا .

النوع الثاني : أن يدعو الميت , أو يستغيث به , أو يطلب منه قضاء حاجاته , أو تفريج كرباته , أو شفاء مرضه , فهذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله سبحانه أبدا ، إلا لمن تاب منه ورجع إلى التوحيد والإسلام , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (34575 ) , وفتوى رقم : (11402) ، وفتوى رقم : (133081) .

ثانيا :
أما ما تذكره من شفاء بعض الناس أو قضاء حوائجهم عقيب هذه الزيارات المحرمة ، فهذا من قبيل الابتلاء والاختبار من الله سبحانه وتعالى ليتميز الخبيث من الطيب , وقد بَيَّن الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى بعض أسباب هذه الظاهرة .

فقال رحمه الله : " وأما ما قد يقع لبعض الناس هنا كونه يدعو الميت ويشفى , هذا يقع استدراجاً وابتلاءً وامتحاناً , والله هو الشافي سبحانه وتعالى ، وقد يكون المرض من أسباب الشياطين ، يسببون المرض للإنسان حتى إذا دعا الميت كفوا عنه ما قد فعلوه , فالحاصل أن هذا ليس بحجة ، كونه يأتي المريض إلى الميت فيدعو ويستغيث فيشفى سريعاً , هذا قد يكون استدراجاً وابتلاءً وامتحاناً حتى يمتحن صبره وإيمانه فلا يغتر بهذا ، وقد يصادف القدر الذي قدره الله بالشفاء فيظنه من أسباب الميت , وقد يكون شيء من أسباب الشيطان ، قد يفعل الشيطان بالإنسان شيئاً يعني يعمل معه عملاً يؤذيه ويضره ويمرض منه , فإذا ذهب إلى الميت ودعاه وسأله كف عنه هذا الشيطان حتى يغريه بالشرك وحتى يوقعه بالشرك ، وحتى يظن هذا الجاهل أن هذا من عمل الولي ، وأنه هو الشافي وهذا من أقبح الغلط والمنكر ، فالله هو الذي يشفي ويعافي سبحانه وتعالى ، والولي وغير الولي لا يملك له ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، وهو مملوك لله سبحانه وتعالى ، والله تعالى هو النافع الضار عز وجل ، فينبغي التنبه لهذا الأمر " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (ص/150) .

والخلاصة :
أن حصول الشفاء لبعض الناس إذا ذهب إلى القبر ودعاه لا يعني أن الميت قد نفعه وشفاه ، بل الشافي هو الله تعالى وحده ، وهذا الميت لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ، وقال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام وهو يثني على الله عز وجل : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) الشعراء/80 .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه البخاري (5675) ، ومسلم (2191) .

وحصول الشفاء عند الذهاب للقبر قد يكون له أسباب :
1. أن يكون هذا من الشيطان ليغري الإنسان الجاهل بالوقوع في الشرك بالله والاستمرار على هذا .
2. أن يكون هذا قد وافق القدر ولا علاقة للذهاب إلى القبر بحصول الشفاء ، بمعنى أن الله تعالى يكون قد قدَّر حصول الشفاء في يوم معين ، وصادف هذا اليوم أنه بعد الذهاب للقبر ، فيظن الجاهل أن الميت هو الذي شفاه .
3. أن يكون هذا اختبار من الله للعبد ، هل يثبت على التوحيد أو ينحرف إلى الشرك ؟

وأما الذهاب إلى القبور للضرورة فيكون هو الحل الأخير ، فلا يجوز ذلك ، لأن القبر لا علاقة له بحصول الشفاء ، وإنما يملك ذلك الله تعالى وحده ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) أخرجه البيهقي ، وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها ، فيستحيل أن يكون الشرك بالله سببا لحصول الشفاء .
وإنما يحصل الشفاء بدعاء الله تعالى وبالتداوي بالأدوية المباحة .

والله أعلم .