عنوان الفتوى : مطلقة من عشرين سنة وتطالب طليقها بما أنفقته على أولادها خلال تلك المدة ، وتطلب من أولادها أن يشهدوا على أبيهم في المحكمة على أنه لم ينفق

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أمي مطلقة من 20 عام وأبي لم ينفق علينا والآن سوف تقوم برفع شكوى نفقة عليه وتطلب منا أن نذهب معها ونحن نرفض خوف أن نعق والدنا وهي غاضبة علينا وغير راضية الآن ماذا نفعل يا شيخ هل علينا إثم بعصيان والدتنا في رفع الشكوى على أبينا ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
يجب على الأب أن ينفق على أولاده الصغار .

قال ابن قدامة رحمه الله – نقلاً عن ابن المنذر - :
" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم " انتهى من " المغني " (11/373) .

وفي حال وجود الأب وغناه فالنفقة واجبه عليه وحده ، ولا تجب على الأم .
كما سبق بيان الحد الذي ينتهي به وجوب النفقة على الأولاد ذكورا وإناثا ، في جواب السؤال : (13464) .

أما بشأن هذه الدعوى التي تطلب منكم والدتكم الذهاب معها لرفعها على والدكم ، فلها أحوال :
الحالة الأولى : أن تكونوا أنتم المطالبين بنفقة ما مضى ، وهذا لا يجوز ؛ لأن نفقة الأقارب تسقط بمضي الزمان .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لو غاب عن قريبه ولم ينفق لم يلزمه نفقة ما مضى ؛ لأن نفقة الأقارب لدفع الحاجة ، ... وهذا القريب اندفعت حاجته وانتهى " انتهى من " الشرح الممتع " (13/484) .

الحال الثانية : أن تكون الدعوى لطلب النفقة في المستقبل ، وأنتم لا تزالون ممن يجب على والدكم الإنفاق عليه ، فلا حرج عليكم في هذه الحال من رفع دعوى على والدكم لمطالبته بالقيام بما يجب عليه من النفقة ، ولا يعد هذا من العقوق .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا امتنع الأب من النفقة الواجبة عليه فللابن أن يطالبه بها ؛ لأنها ضرورة لحفظ حياة الابن، ولأن سببها معلوم ظاهر بخلاف الدَّيْن، ولأن وجوب النفقة ثابت بأصل الشرع، فهو كالزكاة يجبر الإنسان على بذلها لمستحقها، فإذا جاء الابن الفقير وهو عاجز عن التكسب وليس عنده مال، وقال لأبيه: أنفق عليَّ، فقال: لا أنفق، فله أن يطالب أباه بالنفقة، وإذا امتنع فللحاكم أن يحكم بحبسه حتى يسلم النفقة، وأعتقد أن هذا العمل من الابن- أعني مطالبة أبيه بالنفقة- لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لِمَ لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها. " انتهى من " الشرح الممتع " (11/100) .

وجاء في " شرح التلقين " للمازري المالكي (3/1/389) :
" لو كان الأب امتنع من الإنفاق الواجب عليه لابنه الصغير ولم يمكن القاضي أخذ ذلك منه إلا بحبسه فإنه يحبسه في ذلك .
وعلل ابن عبد الحكم هذا بأن ذلك إن لم يفعل أدى ذلك إلى ضرر الولد وهلاكه " انتهى .

الحال الثالثة : أن تكون الدعوى من والدتكم تطالب الوالد بما أنفقته في العشرين سنة الماضية ، وطلبت منكم الشهادة عند القاضي ، ففي هذه الحالة لا حرج عليكم أن تشهدوا بالحقيقة ثم يكون الحكم بعد ذلك للقاضي .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) النساء/135 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" ومن القسط [ أي العدل ] أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان ، حتى على الأحباب بل على النفس .. " انتهى من " تفسير السعدي " (ص/208) .

وهناك حالات تستحق الأم المطالبة بما أنفقته في المدة الماضية ، وهناك حالات أخرى لا تستحق ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَ عَاجِزًا عَنْ النَّفَقَةِ فِيهَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ، وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ أَنْفَقَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِغَيْرِ نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ مُنْفِقٌ بِدُونِ إذْنِهِ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (3/366) .

وقد يكون بينهما شرط عند الانفصال يقتضي أن تقوم هي بالنفقة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَا دَامَ الْوَلَدُ عِنْدَهَا وَهِيَ تُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَخَذَتْهُ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهَا وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ : لَا نَفَقَةَ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . أَيْ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (3/362) .

وجاء في " حاشية ابن عابدين " (3/456) :
" وَقَدْ تُعُورِفَ الْآنَ خُلْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى كَفَالَتِهَا لِلْوَلَدِ بِمَعْنَى قِيَامِهَا بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا وَعَدَمِ مُطَالَبَةِ أَبِيهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ " انتهى .

والذي يفصل في هذه الحالات هو القاضي الشرعي ، ولذلك قلنا : لا حرج أن تشهدوا بالحقيقة ثم ينظر القاضي في القضية ويحكم بما ظهر له أنه الصواب .

والله أعلم .