عنوان الفتوى : يسأل عن المسائل التي اختلف فيها الأئمة الأربعة
ما النقاط التي اختلف فيها الأئمة الأربعة ؟ وما الأدلة الصحيحة لكل منهم في ذلك ؟ لأن معرفة ذلك سيساعدني كثيراً في توضيح مسألة ضرورة التقليد الأعمى واتباع مذهب بعينه ، وهي مسألة كثيراً ما يثيرها المسلمون ويدعون إليها .
الحمد لله :
أولا : النقاط التي اختلف فيها الأئمة الأربعة المتبعون كثيرة ولا يمكن تتبعها في جميع أبواب الفقه في مثل هذا الجواب ، مع أن الوقوف عليها ممكن في كتب الخلاف ، مثل : :المغني" لابن قدامة ، و"بداية المجتهد" لابن رشد ، ونحوهما .
ولكن من الممكن هنا تسليط الضوء على بعض أسباب اختلاف الفقهاء بصفة عامة ، فمن أسباب اختلافهم على سبيل المثال :
1. تعارض الأدلة الشرعية في نظر المجتهد ، فتختلف طرائق الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها , قال علماء اللجنة الدائمة في بيان أسباب اختلاف العلماء : " تعارض الأدلة: فيختلف نظر الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها ، مثل : حديث النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وحديث نهي من دخل المسجد عن الجلوس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد ؛ فاختلف الفقهاء في تطبيق ذلك على من دخل المسجد في وقت نهي عن الصلاة فيه ، فمنهم من قدم أحاديث النهي عن الصلاة ، ومنهم من قدم حديث تحية المسجد ، ولكل أدلة في ترجيح ما اختاره". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" - 1 (5 / 31).
2. اختلاف يرجع إلى اللغة العربية ، كاختلافهم في تفسير "المشترك" في اللغة ، وهو اللفظ الذي يدل في اللغة على معنيين أو أكثر ، مثل قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) البقرة/ 228 ، فلفظ "القرء" في اللغة العربية مشترك بين معنيين ، يطلق لغة على الطهر ، وعلى الحيض أيضا ، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء ، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار ، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (170581) . يقول ابن القيم – رحمه الله – في الصواعق المرسلة (2 / 565): " ومن هذا : الخلافُ العارض من جهة كون اللفظ مشتركا أو مجملا أو مترددا بين حمله على معناه عند الإطلاق ، وهو المسمى بالحقيقة ، أو على معناه عند التقييد ، وهو المسمى بالمجاز ، كاختلافهم في المراد من القرء : هل هو الحيض ، أو الأطهار ، ففهمت طائفة منه الحيض ، وأخرى الطهر" انتهى.
3. اختلافهم في الأدلة الإجمالية من حيث الاعتبار وعدمه ، مثال ذلك : عمل أهل المدينة فيما كان طريقه النقل ، فقد كان الإمام مالك - رحمه الله - شديد الاعتناء بعمل أهل المدينة ، ويرى أنه حجة في دين الله تعالى ، وأنه لا يجوز مخالفة جماعتهم . وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (179514).
4. اختلاف يرجع إلى التفاوت في الإحاطة بالعلم ، وقوة الفهم في النصوص الشرعية ، قال علماء اللجنة الدائمة: " أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة ، منها : أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله ، فقد يخفى عليه ما علم غيره ، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح ". انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (2 / 178).
5. اختلاف يرجع إلى السنة المطهرة ؛ كاختلافهم في تصحيح الحديث أو تضعيفه ، يقول ابن القيم – رحمه الله – في الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2 / 556) وهو يوضح أسباب الخلاف : " السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره , فقد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته وقوته , وقد يكون الصواب مع المضعِّف ؛ لاطِّلاعه على سببٍ خَفِيَ على الموثق , وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته" انتهى. وكاشتراط بعضهم في خبر الواحد شروطاً لا يشترطها غيره , قال ابن القيم – رحمه الله – في الصواعق المرسلة (2 / 559) : "السبب الرابع : اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطا يخالفه فيها غيره ، كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيها إذا خالف ما رواه القياس ، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى ، واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن لئلا يلزم منه نسخ القرآن به ، وهذه مسائل معروفة" انتهى.
6. اختلافهم فيما يتعلق بالقواعد الأصولية ؛ كاختلافهم في المراد بنص معين هل هو باق على عمومه أم دخله التخصيص ؟ وهل باق على إطلاقه أم قُيِّد بنص آخر ، وكاختلافهم في دلالة الأمر والنهي ، واختلافهم في المنطوق والمفهوم ، إلي غير ذلك .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (128658) .
ثانيا: بخصوص مسألة تقليد مذهب بعينه من مذاهب الأئمة الأربعة ، فقد سبق الكلام عنها بالتفصيل مع ذكر كلام أهل العلم في الفتوى رقم (21420) , والفتوى رقم (103339). ويراجع حكم التقليد في الفتوى رقم (148057) .
والله أعلم.