عنوان الفتوى : الصلاة بمعاني القرآن المترجمة
هل تجوز قراءةُ القرآن مُترجَمًا في الصّلاة؟
من المعلوم أن قراءة شيء من القرآن في الصّلاة ركن من أركانها لا تصحُّ الصلاة بدونه، وقد حدَّد جمهور الفقهاء هذا الرُّكنَ بقراءة الفاتحة، لعدّة نصوص منها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا صلاةَ لمَن لم يَقرأ بفاتِحة الكتابِ” رواه الجماعة وقوله “مَنْ صَلَّى صلاةً لم يَقرأ فيها بأمِّ القرآن ـ وفي رواية بفاتحة الكتاب ـ فهي خِداج، هي خِداج غير تمام” رواه البخاري ومسلم.
وإلى جوار هذا الرّكن تُسَنُّ القراءة لما تيسَّر من القرآن بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، وقال العلماء: لابد أن تكونَ القراءة باللغة العربيّة لمن قَدَر عليها، فإنْ عَجَزَ عن القراءة باللغة العربيّة، فلا يجوز أن يقرأها مترجَمة بلغة أخرى ، فلو فعل ذلك بَطَلت صلاتُه عند جمهور الفقهاء، يقول النووي في “المجموع”: ترجمة القرآن ليست قرآنًا بإجماع المسلمين، ومحاولة التدليل لها تكلُّف، فليس أحدٌ يخالِف في أن المتكلِّم بمعنى القرآن بالهنديّة ليس قرآنًا، وليس ما لفظ به قرآنًا، ومن خالف في هذا كان مُراغمًا جاحدًا، وتفسير شعر امرئ القيس ليس بشعره، فكيف تفسير القرآن يكون قرآنًا؟ ولا خِلاف في أن القرآن مُعجِز، وليست الترجمة مُعجزة، مجلة الأزهر ـ المجلد السابع ص 129.
ونُقل عن أبي حنيفة جواز القراءة بالتّرجمة في الصّلاة لمن كان قادِرًا على القراءة باللُّغة العربيّة أو غير قادر. مستدِلًّا ببعض آيات ليست نصًّا في المُدَّعى، ولا داعِيَ لذكرها، وبأن سلمانَ الفارسي كتب لأهل الفرس ـ الفاتحة ـ بالفارسيّة فكانوا يقرؤون بها حتى لانت ألسنتُهم للعربيّة، وبعدما كتب لهم ذلك عرضَه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقرّه ووجهوا كلام أبي حنيفة: بأن القراءةَ بالفارسيّة لمن يحسُن العربيّة للرّخصة، ولمن لا يحسنها للعُذر، ولكنَّ الإمامين محمدًا وأبا يوسف لا يُجيزان القراءة بها في الصلاة إلا للمعذور فقط؛ لأن القرآنَ مُعجز باللفظ والمعنى، فإذا قدَر عليهما لا يتأدّى الواجب بغيرهما، وإن عَجَز عن النَّظْم أتى بما يقدِر عليه وهو المعنى، كمن عَجز عن الركوع والسُّجود يصلِّي بالإيماء.
وقال المحقِّقون: إن أبا حنيفة رجَع عن رأيه، فلم يُجِز القراءة بغير العربيّة، إلا لمَن عجز عنها. وممّن نقل رجوعَه أبو بكر الرازي ونوح بن مريم وعلي بن الجعد، وقال أيضًا: إن خبر سلمان مطعون بأنّه لم يخرِّجه كِبار رجال الحديث مع أهميّته، وأنّ هناك اختلافًا في بعض رواياته بالزّيادة والنقص؛ لأن النوويَّ ذكره في المجموع دون قراءتهم بالترجمة في الصّلاة.
وعلى هذا فلا يكون عند الأحناف إلا قول واحد، وهو جواز قراءة القرآن بغير العربيّة في الصلاة للعاجز عن العربيّة، أما القادر عليها فلا يجوز له باتفاق الفقهاء.
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة: إن الأئمة الأربعة اتّفقوا على أن القادر على العربيّة إذا قرأ بغيرها في الصلاة فَسَدَت صلاتُه، وعلى أن العاجز عنها إذا قرأ بغيرها ما كان قِصة أو أمرًا أو نهيًا فسَدت صلاته؛ لأنّ ما أتى به ليس قرآنًا، وهو من كلام الناس فيفسد الصّلاة، ولم يختلفوا إلا فيما إذا كان المقروء ذِكْرًا أو تنزيهًا فالأئمة، الثّلاثة قالوا بفساد الصلاة وأبو حنيفة وأصحابه قالوا بجواز الصّلاة؛ لأن العاجِز عن العربيّة حكمُه حكم الأمي فلا قِراءة عليه، وإذا أتى بذكر بأي لغة لا تفسُد صلاته، فكذلك من كان في حكمه “مجلة الأزهر ـ المجلد الثالث ـ ص 34”.