عنوان الفتوى : يعاني الكثير من المشاكل ، ويشعر بالحسد تجاه الآخرين .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أعاني من الكثير من المشاكل الشخصية ، مثل انعدام الثقة بالنفس ، والشعور الدائم بالذنب ، بسبب قرارات اتخذتها في السابق ، ولا أستطيع تغييرها . كما أشعر بالحسد والمرارة عند رؤية أي مسلم سعيد في حياته ، وخصوصاً الأزواج ، فذلك يجعلني ألوم نفسي لعدم تمكني من الحصول على ما حصلوا عليه . وقد أخبرني أحد أعمامي أنّ هذه المشاكل سببها الجن ، وأنه ينبغي علي اللجوء للرقية ، ولكنني أخشى إن ألقيت اللوم على الجن أن يكون ذلك تهرباً من الاعتراف بالمشاكل النفسية التي أعاني منها بشكل واضح . فماذا أفعل ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولاً :
يسرنا أن نجد في المسلمين مثل هذا الوعي الجيد تجاه مشاكلهم النفسية أو الفكرية ، فقد أحسنت في عدم تعليقك هذه المشاكل على الجن ، فإن كثيرا من الناس يبالغون في ذلك ، فكلما أصيب أحدهم بشيء قال : إنه بسبب الجن ، رغم أن الله سبحانه وتعالى جعل لعالمهم حدوده التي لا يمكن تجاوزها إلا أن يشاء الله ، وجعل على العباد حفظة من الملائكة يحمونه من الشر ، فقال عز وجل : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) الرعد/11.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه ، حَرَس بالليل ، وحَرَس بالنهار ، يحفظونه من الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال ، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحدا من ورائه ، وآخر من قدامه ، فهو بين أربعة أملاك بالنهار ، وأربعة آخرين بالليل ، حافظان وكاتبان " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (4/ 437) .
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) رواه الترمذي (2516) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصاببيح " (5302) .
فلا يجوز لأحد أن يحمل الجن مسئولية كل ما يصيبه حتى يخرج هو بريئا من الخطايا والتقصير ، مع أن الله تعالى أخبرنا أن كل ما يصيب الإنسان إنما هو بسبب ذنوبه ومعصيته لله ، فالخير والشر كله مقدر لله تعالى ، ولكن الله قدره وقدَّر معه أسبابه ، من الطاعة أو المعصية ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/30.
وقال سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/40 ، هذا في جانب الشر .
أما في جانب الخير والسعادة فقال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/2-3 .
فمن أراد الحياة الطيبة الهانئة السعيدة وأراد تيسير أموره والمخرج من كل أزمة ومشكلة تقابله فعليه بالإيمان والعمل الصالح والتقوى .
فبدون ذلك فلا يطلب سعادة ولا راحة بال .
ومن انهمك في معصية الله ومخالفة أمره فقد اختار الشقاء لنفسه ، فإن أصابه بعد ذلك شيء فلا يلومن إلا نفسه .
فليس من الحكمة أن يقصر الإنسان في اتخاذ أسباب السعادة ، ثم يستغرق وقته في ندب حاله والتعاسة التي يعيشها .
فعليك أن تصلح ما بينك وبين الله تعالى أولا ، ثم بعد ذلك فسيصلح الله لك كل أحوالك .
وقد سبق في موقعنا العديد من الأفكار والمقترحات التي تعين على بناء الثقة ، وتجاوز الأزمات المستعصية : (83962) ، (113465) ، (194318) ، (212179) .
كما سبق ذكر مجموعة من الإرشادات في الشفاء من داء الحسد في القلب ، ينظر جواب الفتوى رقم : (12205) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالك وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .