عنوان الفتوى : فقدت الثقة في نفسي ، بسبب مقارنة مع أخت زوجي !!
أنا فتاة عمري 20 عام ، طالبة هندسة في الجامعة ، والحمد لله على قدر كبير من الثقافة والأخلاق ! مشكلتي بدأت عندما قارنت نفسي بأخت خطيبي ، وكانت نتيجة هذه المقارنة مصارحته لي بأنه يرى أخته أجمل مني بالشكل واللباس ، ومنذ ذاك اليوم وأنا فاقدة ثقتي بنفسي ، بينه وبين عائلته ! وطوال حياتي لم أغر من فتاة ، لكنني الآن أجد الغيرة تحرقني من أخته ، فقط لا غير ! الغيرة منها بدأت تدمرني ، وتدمر حياتي معه ، وبدأت ثقتي تتلاشى ، شيئا ، فشيئا . فما الحل ، وأنا مجبرة لأن أتعامل معها ، بل وأعيش معهم ؟
الحمد لله
إن من الأخطاء التي نقع فيها من حيث لا ندري ، أن ننبش وراء المخبوءات ، وأن نبحث
وراء ما لا يجب البحث خلفه ، فتكون النهاية خيبة وألما واستكشافا لأكثر مما كنا نود
معرفته .
هكذا كانت بداية مشكلتك أختنا ، وتلك كانت غلطتك : أن تطلبي من خطيبك أن يفصل في
الحكم في مقارنة بينك وبين أخته ، ولعلك كنت تعلمين قبلا تلك الفوارق بينكما ،
ولربما كنت تتمنين ألا يكون خطيبك منتبها لها ، فيراك الأجمل والأفضل ، ويشبع
غريزتك الأنثوية في حب المديح والإطراء ، ويهدأ بالك وأنت تعلمين أنك في عينيه
الأفضل ، لكنك وصلت لعكس مراميك ، وسمعت ما لا يرضيك وتقلبت بين فقدان الثقة في
النفس ، والغيرة المذمومة ، وتكدر الخاطر والمزاج .
قد أخطأ خطيبك حينما صارحك بما صارحك به ، فقد كان بإمكانه التورية ، أو حتى الكذب
المباح في هذه المواقف ، وقد أخطأت أكثر حينما دخلت في مقارنة لم تجن منها سوى
الحسرة والألم ، وحينما كرست بشكل غير مباشر وربما دون قصد منك ، أن الجمال جمال
الهيئة والشكل ، مغفلة من جهة أن الله قد فرق الأرزاق ، وجعل لكل حظه من الجمال ،
ومن جهة أن الجمال الحقيقي يبدأ من الروح وينبعث من الأعمال .
ويرجى مراجعة الجواب التالي : (100942) .
أختنا الفاضلة ،
لا شك أن الموقف قد سبب لك آلاما نفسية ، ولا شك أن ذلك ابتلاء من الله ، فكل ما
يصيب المرء من آلام فهي تمحيص وتطهير من الله سبحانه لعباده ، قال صلى الله عليه
وسلم : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ
اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ). رواه البخاري
(5641) ، ومسلم (2573) ، فلتصبري ولتحتسبي ، ولتعملي جاهدة على أن تخرجي مما أنت
فيه ، واستعيني بكل ما يسهل عليك ذلك ، ومن أهمه :
- حسن اللجوء إلى الله بالتوكل عليه وبالدعاء المستمر أن يفرج ما بك ، فهو وحده
القادر على إخراجك مما أنت فيه ، وتغيير حالك لأحسن حال ، قال ابن القيم رحمه الله
: " مَن أقبل على الله بصدقٍ ، وألَحَّ عليه بالدعاء ، وأَكثَرَ من سؤالِه أجاب
الله دعاءَه ، وحقَّق رجاءَه ، وأعطاه سُؤْلَه ، وفتح له أبوابَ الخير والسعادة في
الدنيا والآخرة " انتهى من " الجواب الكافي" (4) ، مع تحري أوقات الاستجابة كالثلث
الأخير من الليل ، وبعد العصر من يوم الجمعة ، وبين الأذان والإقامة ، وحال السجود
.
- التيقن من أن المخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، بل لو اجتمعت الأمة على أن
ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء
، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .
فالأمر كله بيد الله تعالى ، وهو الأحق بخوفك ورجائك ، ورغبك ورهبك ، ومن استقام
على أمر الله تعالى واعتصم به ، فهو أعز الناس ؛ فإن الله تعالى كتب العزة لعباده
المؤمنين ، كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) المنافقون / 8 .
- إصلاح صورتك الداخلية الذاتية ، وتعزيز الثقة في نفسك ، وذلك بالتعرف عليها عن
قرب ، ومحاولة استكشاف مميزاتك ، والنظر إلى ما أنعم الله عليك من النعم والمواهب
بعين الشكر والتقدير ، والرضا والقبول ، فما استديمت النعم ، ولا عظمت بمثل شكرها .
- الكف عن المقارنة بينك وبين غيرك ، فإن في ذلك هدما لشخصيتك ، وأشد من ذلك كله :
التسخط على ما أعطاك الله ، وعدم الرضا بتدبيره وتصريفه ، وعطائه ورزقه لعباده .
- عدم الاسترسال مع الأفكار السلبية المحبطة ، بل قدري ما أنت فيه من فضل من الله
ونعمة ، وحدثي نفسك بذلك ، وعززي ثقتها في الله ، وشكرها لعطائه ومنه ، وما أنعم
الله به عليها .
- تحديد أهدافك في الحياة بصفة عامة ، وفي حياتك الزوجية بصفة خاصة ، وذلك بدقة
وتفصيل حتى تتبيني هدفك وما تريدين ، ويتعزز عندك جانب الثقة في النفس .
- نظرتك الغيورة لأخت زوجك لن تزيد إلا في ألمك ، وهدم ما تبقى لك من ثقة في نفسك ،
فحاولي ما أمكنك إخراجها من حساباتك ، واعلمي أنها لا سلطان لها على زوجك ؛ بمعنى
أنها لن تشاركك فيه ، وتوشك أن ترحل عنك إلى بيتها ، أو ترحلي عنها إلى بيت زوجك ،
ولن تكون يوما ما شريكة لك في زوجك ، فلم كل هذا التنغيص ، يا أمة الله ؟!
- حبه لأخته ، وافتخاره بها يجب ألا يكون سببا في غيرتك منها ، أو في هدم الأواصر
بينكما ، وتذكري أنها لم تسئ لك ولم تؤذك ، فلا تتركي الشيطان ينزغ بينكما ، أو
يوقع في نفسك الغل منها ، والحسد لها ، واحذري أن تكوني ـ يوما من الدهر ـ سببا في
التفرقة بين خطيبك وأخته ، فإن لها عليه حق الرحم والأخوة الجامعة ؛ فأعينيه على
أداء واجبه ، واحذري أن تكوني عونا للشيطان عليه .
واطلعي فضلا على الرد التالي ، ففيه مزيد تفصيل في هذه النقطة : (20927)
.
وختاما ، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي صدرك مما تجدين ، وأن يعينك على
نفسك الأمارة بالسوء ، وأن يصلح بينك وبين أخت زوجك ، وأن يؤلف بين قلوبكم جميعا ،
ويجمعكم على الخير .
والله أعلم.