عنوان الفتوى : حكم الكذب في الرؤيا لإبعاد شخص عن منكر
أختي كانت على علاقة مع شاب فترة تقارب 3 سنوات ـ مكالمات ومسجات دائمة ـ حاولت معها أكثر من مرة أن تقطع علاقتها به، فلم تكن عندها القدرة على ذلك، حيث تقطعها فترة ثم ترجع له، وبعد وفاة أبي زادت علاقتها معه، ولا أستطيع أن أقول لأمي أو لأحد من إخواني ذلك، فحاولت أن أقنعها، فلم تسمع مني، وكنا نحلم بأبي كثيرا، فاضطررت أن أقولها بأنني حلمت بأبي وأنه يقول لها أن تقطع علاقتها معه ـ والحمد لله ـ حاليا قطعت علاقتها به، إلا أنني أخاف أنني قد ارتكبت ذنبا كبيرا، سمعت عن حكم الكاذب في المنام، فهل أقول لها أنني كنت أكذب عليها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنكِ قد ارتكبتِ إثماً عظيماً، بل كبيرة من الكبائر، بادعائكِ رؤيا لم ترَيها، فقد جاء في صحيح البخاري في باب: من كذب في حلمه ـ من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ. وفيه عن ابن عمر مرفوعاً: إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ. أي في المنام.
قال ابن بطال شارح البخاري: قال محمد بن جرير: إن قال قائل: ما وجه خصوص النبيِّ عليه السلام الكاذبَ في رؤياه بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعرتين يوم القيامة، وهل الكاذب في رؤياه إلا كالكاذب في اليقظة وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًا أو قتلاً، أو مالاً يؤخذ منه، وليس ذلك في كذبه في منامه، لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره؟ قيل له: اختلفت حالتهما في كذبهما، فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين، وذلك لتظاهر الأخبار عن النبي عليه السلام أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيًا من الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم يَرَ، والكاذب على الله أعظم فرية وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه بما أتلف به حقًا لغيره، أو أوجبه عليه، وبذلك نطق محكم التنزيل، فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {هود:18} فأبان ذلك صحة ما قلناه أن الكذب في الرؤيا ليس كالكذب في اليقظة، لأن أحدهما كذب على الله والآخر كذب على المخلوقين. اهـ.
وفي البخاري عن أبي هريرة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.
وهو عند الترمذي وأحمد عن أنس: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ، قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: لَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: رُؤْيَا الْمُسْلِمِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ. وحسنه الترمذي.
وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ {الأنعام:93}.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الكذب في الحلم للمصلحة العامة وخاصة على الزوج الذي لا يصلي كتخويفه من النار حتى يرجع عن إهماله في الصلاة؟ فأجاب: الكذب في الحلم حرام، بل من كبائر الذنوب لأن الإنسان إذا كذب في الحلم أي قال إني رأيت في المنام كذا وهو لم يره فإنه يعذب يوم القيامة يكلف بأن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد، ولا يقال إنه إذا كان هناك مصلحة جاز الكذب، لأنه لا يمكن أن يدعى إلى الله بمعصية الله أبداً، ولكن يكفينا ما في القرآن والسنة من المواعظ، فإذا وعظ هذا الرجل المفرط في الصلاة، أو في غيرها من الواجبات إذا وعظ بما في القرآن والسنة كفى ذلك إن اتعظ، فهذا هو المطلوب وإن لم يتعظ فقد قامت عليه الحجة وحسابه على الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ـ فحساب الخلق على الله من كان عنده علم، فإنه لا يكلف إلا بإبلاغ علمه إلى من لم يعلمه وليس عليه هدى الناس: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. انتهى.
أما وقد فعلتِ ذلك: فعليكِ التوبة إلى الله توبة نصوحاً صادقة من هذا الفعل مع الندم والعزم على عدم العود، ولا تخبري أختكِ بذلك لما يترتب عليه من المفسدة، كانعدام ثقتها بصدقكِ مستقبلاً ولو بعد التوبة، لا سيما وقد تركَتْ ما كانت عليه من المنكر، فلا تكوني سبباً في عودها وتساهلها، لكن ذكريها بالله وأن تخلص توبتها من فعلها لله لا لغيره، أما توبتك: فأمر بينك وبين الله لا تعلق لأختكِ بها، إذ ليس في ذلك مظلمة لها ولا حقوق.
والله أعلم.