عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في القصاص في قتل الأب أو الأم لولدهما
لقد شاهدت قصة الداعية والشيخ فيحان الغامدي: حيث اغتصب ابنته ثم قتلها وحكم القاضي عليه بدفع الدية، وهذا شيء غريب لم أعرف صحته، إلا أن المذيع ذكر أنه يوجد قول فقهي ـ أنه لا يقتل الوالد إذا قتل ولده، وتقتل الأم إذا قتلت ولدها ـ وإذا صح هذا فإنه يدل على أن ذنب الرجل مغفور وذنب المرأة غير مغفور، ونسمع أخبارا عن الدول الغربية أن الحكم على مغتصب القاصر بمعدل 12 سنة فماذا عمن اغتصب ابنته ولا تتجاوز الخامسة من عمرها؟ أرجو التوضيح، ولكم مني كل احترام وتقدير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل النفس المعصومة من كبائر الذنوب، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}.
وقال سبحانه: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {الإسراء:33}.
وفي حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق علي .
وقتل الوالد لولده محرم باتفاق العلماء، وإنما اختلفوا هل يقتص من الوالد أم لا؟ قال ابن المنذر في الأوسط: اختلف أهل العلم في الرجل يقتل ابنه عمدا، فقالت طائفة: لا قود عليه، وعليه ديته في ماله، روي هذا القول عن عطاء، ومجاهد، وبه قال الشافعي، وأحمد وإسحاق، وأصحاب الرأي، وحكي هذا القول عن ربيعة، والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن، وقالت طائفة: يقتل به، هذا قول مالك، وابن عبد الحكم، وابن نافع، وحكي ذلك عن عثمان البتي، قال أبو بكر: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديثان قد تكلم قوم من أهل الحديث في إسنادهما جميعا: فأما أحدهما: عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقتل الوالد بالولد ـ والخبر الثاني: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد بالولد الوالد ـ وقال الله جل ذكره: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ـ الآية، وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمنون تكافأ دماؤهم ـ فإن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يجب استخراج الأب من جملة الكتاب والسنة، وجب الوقوف عن أن يقاد الوالد بالولد، وإن لا يكون خبر يثبت فاستعمال ظاهر الكتاب والسنة يجب، والله أعلم. اهـ باختصار.
والصحيح أن الأم في هذا الحكم كالأب، فلا تقتل بابنها، جاء في المغني لابن قدامة: والأم في ذلك كالأب، هذا الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب، وروي عن أحمد، ـ رحمه الله ـ ما يدل على أنه لا يسقط عن الأم، فإن مهنا نقل عنه في أم ولد قتلت سيدها عمدا: تقتل، قال: من يقتلها؟ قال: ولدها، وهذا يدل على إيجاب القصاص على الأم بقتل ولدها، وخرجها أبو بكر على روايتين، إحداهما: أن الأم تقتل بولدها، لأنه لا ولاية لها عليه، فتقتل به، كالأخ، والصحيح الأول، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقتل والد بولده ـ ولأنها أحد الوالدين، فأشبهت الأب، ولأنها أولى بالبر، فكانت أولى بنفي القصاص عنها، والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الأب بقتل الكبير الذي لا ولاية عليه، وعن الجد، ولا ولاية له، وعن الأب المخالف في الدين، أو الرقيق. اهـ.
ولا يقول أحد من العلماء أن ترك القود من الوالد يعني أنه لا إثم على الأب في قتله لابنه، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 30793، ورقم: 105458.
وأما ما يتعلق باغتصاب الرجل لابنته: فينبغي معرفة المقصود بالاغتصاب، فإن كان المراد به زنا الرجل بابنته ـ بأن يطأها في فرجها ـ فذلك يوجب إقامة حد الرجم على الأب ـ إن ثبت الزنا عند القاضي بالبينة أو الاعتراف ـ وليست هناك خصوصية للأب يختص بها في هذا الباب، وأما إن كان ذلك فعلا دون الزنا فليس فيه حد، وإنما فيه التعزير، وهو العقوبة المشروعة على كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وانظر أدلة التعزير وبعض أحكامه في الفتاوى التالية أرقامها: 95693، 117180، 34616.
واعلم أنه لا يجوز قذف المسلم واتهامه في عرضه دون بينة، ولا ينبغي للشخص أن يرعي سمعه لكل ما ينقل في وسائل الإعلام.
والله أعلم.