عنوان الفتوى : زوجته تتهاون في الصلاة ، ويسأل في حال تطليقها هل يجب عليه أن يوفيها مؤخر الصداق؟
حاولت مع زوجتي بأن تصلي أكثر من مرة ، فهي تقطّع الصلاة ، وأحياناً لا تصلي لفترة ، وأقوم بتنبيهها أكثر من مرة ؟ وفي حال الطلاق هل يكون المؤخّر واجبا علي؟
الحمد لله
أولا:
الواجب على الزوج أن يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر ، ويدعوها إلى الخير ،
ويحذرها من الشر ، قياماً بالمسئولية التي حمّله الله إياها ، قال سبحانه : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6 .
جاء في " تفسير ابن كثير" (8 / 167): " عن علي ، رضي الله عنه، في قوله تعالى: قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا يقول: أدبوهم وعَلموهم. وقال علي بن أبي طلحة ،
عن ابن عباس: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) يقول: اعملوا بطاعة الله
، واتقوا معاصي الله، ومُروا أهليكم بالذكر ، يُنْجِكم اللهُ من النار ، وقال
مجاهد: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) قال: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم
بتقوى الله ، وقال قتادة: يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصية الله ، ويقومَ
عليهم بأمر الله، ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ، رَدعتهم عنها ،
وزجرتهم عنها ، وهكذا قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله ، من قرابته
وإمائه وعبيده : ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه" انتهى.
وقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أهله بالصلاة قال تعالى : (
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا
نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه/ 132 .
جاء في " تفسير القرطبي "(11 / 263): " أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ،
ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ، ويلازمها .
وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخل في عمومه جميع أمته ، وأهل بيته على
التخصيص. وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية : يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي
رضوان الله عليهما فيقول : " الصلاة" ، ويروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان
إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله ، وهو يقرأ " ولا
تمدن عينيك " الآية إلى قوله:" وأبقى " ، ثم ينادي بـ : الصلاة ؛ الصلاة يرحمكم
الله ، ويصلي ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي
وهو يتمثل بالآية " انتهى.
وقد حكى الله سبحانه عن نبيه إسماعيل عليه السلام أنه كان يأمر أهله بالصلاة
والزكاة ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ
صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ
بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) مريم/ 54، 55 .
جاء في " تفسير السعدي " (1 / 496) :" أي : كان مقيما لأمر الله على أهله ، فيأمرهم
بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود ، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد ، فكمل
نفسه ، وكمل غيره ، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله ، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم"
انتهى .
وأداء الصلاة في أوقاتها من
أعظم البر والمعروف ، كما أن التهاون والتفريط فيها بتركها ، أو تضييع مواقيتها :
من أعظم المنكرات ، وقد جاء في ذم من فعل ذلك قوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بَيْنَ الرَّجُلِ
وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم (82)، وقوله صلى
الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ( رواه
البخاري (553) .
فإذا كانت زوجتك لا تصلي أبداً ، فقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن
ترك الصلاة كفر ، فلا يجوز لك إمساكها لأنها ليست مسلمة ، وحينئذ يجب عليك أن تبين
لها أن إصرارها على ترك الصلاة يعني أنها ليست زوجة لك ، فإما أن تتوب وتقيم الصلاة
، وإما أن تفارقها .
وأما إن كانت تصلي أحيانا ، وتضيع الصلاة أحيانا أخرى - وهذا هو الظاهر من سؤالك - فلا تخرج من الإسلام بذلك – على ما رجحه بعض أهل العلم - وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم :(95077) .
ولكن عليك أن تقوم بنصحها ، والبحث عن أسباب تقصيرها لمعالجتها ، وليكن ذلك برفق ولين ، فتبين لها عظمة الصلاة وأهميتها ، وإثم التقصير فيها ، وتعمل على تقوية إيمانها ، وزيادة يقينها ، بترغيبها في الخيرات ، وتشجيعها على الطاعات ، وربطها ببعض النساء الصالحات ، وتزويدها بشيء من الكتب والأشرطة النافعة التي تحبب إليها الخير ، وتزين لها البر ، مع سؤالها دوما عن الصلاة .
ثانيا :
فإن أصرت زوجتك على عدم الانتظام في الصلاة فيجوز لك أن تطلقها ، فإن طلقتها
فالواجب عليك أن توفيها جميع حقوقها بما في ذلك مؤخر الصداق ، لأن مؤخر الصداق حق
للمرأة ، تستحقه عند حلول الأجل الذي اتفقا على تسليمه لها فيه ، أو حسب ما جرت به
العادة المتبعة إذا لم يكن هناك اتفاق ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (145955).
ويجوز لك أيضا أن تمتنع عن طلاقها ، وتعضلها ، حتى تتنازل لك عن المهر كله ، أو
مؤخره ، وإنما كان ذلك جائزا لأنها فعلت ما يبيح لك عضلها واسترجاع مالك منها ،
وبرهان ذلك قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) النساء/ 19.
وقد سبق بيان تفسير هذه الآية الكريمة وكلام أهل العلم عليها ، في الفتوى رقم : (146100)
، وفيها أيضا : أن الزوجة إذا تركت فرضا من فرائض الله : فهذا يبيح للزوج أن يعضلها
حتى تختلع منه .
والله أعلم .