عنوان الفتوى : صور نكاح الشغار ، ومتى يكون باطلا ؟
أنا متزوجة من ابن عمي منذ سنة تقريباً ، ولكنني في حيرة من أمري بخصوص صحة زواجي ، فأخت زوجي متزوجة من أخي وقد قرأت على موقعكم أنّ هذا النوع من الزواج يدعى نكاح الشغار وهو مُحرّم في الإسلام ، مع العلم أنّ هذا الأمر شائع جداً في باكستان وأفغانستان ويطلق عليه في لغة الباشتو " زواج البدل " وهو يمارس منذ فترة طويلة جداً ، فإذا كان الزواج بهذه الطريقة محرما في الشريعة لماذا لا نجد من يعترض عليه من الأئمة ، ولا نجدهم يمتنعون عن عقد النكاح بتلك الطريقة ؟ لقد بحثت عن معلومات حول نكاح الشغار ولكن لا زلت لا أدري إن كان زواجي يعتبر من هذا النوع أم لا ، حيث وجدت أقولاً مختلفة للعلماء حول هذه المسألة ، فعلى سبيل المثال وجدت أنّ المذهب الحنفي يرى صحة العقد ووجوب المهر ، بينما ترى المذاهب الأخرى خلاف ذلك ، فما هو نكاح الشغار ؟ وهل زواجي يندرج تحت نكاح الشغار ؟ وما هو الحل إذا كان الزوجان سعيدين في حياتهما ولديهما أطفال من هذا الزواج ؟ هل ينبغي عليهما الطلاق مع الأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي ستنتج عن ذلك بين العائلات ؟
الحمد لله
أولا :
" الشغار " أو ما يسميه الناس بـ " زواج البدل " جاءت الشريعة الاسلامية بتحريمه
والنهي عنه ؛ لما فيه من ظلم للمرأة ، وهضم لحقها ، وتلاعب بمسؤولية الولاية .
فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ) رواه مسلم (1415) .
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ) رواه مسلم (1417) .
ثانيا :
الزواج على سبيل البدل له ثلاث صور :
الأولى : أن يتزوج كلُّ واحدٍ منهما من قريبة الآخر ومن هي تحت ولايته ، دون اشتراط
أن يكون زواج أحدهما مبنياً على زواج الآخر ومتوقفاً عليه ، ومع وجود مهر مقرَّر
لكلٍّ منهما .
فهذه الصورة ليست من " نكاح الشغار " ولا حرج فيها .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " ( 18/427 ) :
" أما إن خطب هذا مولية هذا ، وخطب الآخر موليته ، من دون مشارطة ، وتم النكاح
بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح : فلا خلاف في ذلك ، ولا يكون حينئذ
من نكاح الشغار " انتهى .
الثانية : أن يتم الزواج
بشرط أن يزوج كل واحد منهما موليته من الآخر ، مع عدم وجود مهر لهما ، بحيث يكون
بُضْعُ كل واحدةٍ منهما فِي مُقابَلة بضْع الأخرَى .
فهذه الصورة من الشغار المنهي عنه في السنة النبوية باتفاق العلماء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" فَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ
كَانَتْ ، عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ
كَانَتْ ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ،
وَلَمْ يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ : فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ
مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله
:
" وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ : فَهُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ
وَلَيَّتَهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلَيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ
بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعُ هَذِهِ بِبُضْعِ هَذِهِ ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ
وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ " انتهى من " الاستذكار " (5/465) .
وقال – أيضاً - : " وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه أَنَّهُ الشِّغَارُ
الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " انتهى من " التمهيد " (14/70) .
وقال ابن رشد رحمه الله :
" فَأَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ
أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ
وَلِيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى
، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ
" انتهى من " بداية المجتهد " (3/80) .
وهذا الحكم لا يقتصر على
البنت أو الأخت ، بل يشمل كل من كانت تحت ولايته .
قال النووي رحمه الله :
" وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ
وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ ، كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا "
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (9/201) .
وعلماء المذهب الحنفي
يوافقون جمهور العلماء على أن هذه الصورة من النكاح ، منهي عنها ولا تجوز ، إلا
أنهم يصححون النكاح ، ويوجبون فيه مهر المثل لكل واحدة منهما ، قالوا : وبذلك لا
يكون شغارا .
انظر : المبسوط (5/105) ، بدائع الصنائع (2/278) .
الثالثة : أن يزوج الرجل
ابنته أو أخته أو من هي تحت ولايته ، بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو موليته ، لكن مع
وجود مهرٍ لكلٍّ منهما ، سواء كان متساوياً أو مختلفاً .
فهذه الصورة محل خلاف بين العلماء .
فذهب بعض العلماء إلى أن هذه الصورة تدخل في الشغار المنهي عنه أيضاً ، وأن وجود
الشرط كافٍ في جعلها من نكاح الشغار ، وهو قول الظاهرية ، واختاره بعض العلماء من
الشافعية والحنابلة .
قال الخرقي – الحنبلي - رحمه
الله :
" وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته : فلا نكاح بينهما ، وإن سموا مع ذلك
أيضا صداقا " انتهى من " مختصر الخرقي " (ص 238 ) ، وانظر : " المحلى " لابن حزم
(9/118) .
واختار هذا القول الشيخ ابن
باز رحمه الله تعالى ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فجاء في فتواهم :
" إذا زوَّج الرجل موليته لرجل ، على أن يزوجه الآخر موليته : فهذا هو نكاح الشغار
الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح "
البدل " ، وهو نكاح فاسد ، سواء سمِّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا "
انتهى " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (18/427) .
واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه (1416) من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
" والصواب أنه يكون شغارا مطلقا ، إذا كان فيه الشرط ؛ لظاهر الأحاديث عن النبي
عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( والشغار أن
يقول الرجل : زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ) ، ولم يقل : وليس
بينهما صداق ، بل أطلق " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (20/280) .
وقال – أيضاً - رحمه الله :
" نكاح البدل لا يجوز ، ويسمى نكاح الشغار ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم
في عدة أحاديث ، فلا يجوز نكاح البدل بالمشارطة ، يقول هذا : زوجني أختك ، وأزوجك
أختي ، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ، هذا هو نكاح البدل ويقال له : نكاح الشغار ،
ولو سمى مهرا ، ولو تساوى المهر ، ولو اختلف المهر ، ما دام فيه مشارطة لا يجوز "
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (21/26) .
وهذا النكاح يسميه المالكية : " وجه الشغار " ، والحكم فيه عندهم : أنه يفسخ قبل الدخول استحباباً ، وأما بعد الدخول فيحكم بصحته ، مع ثبوت الأكثر من مهر المثل ، أو المهر المسمى لكل منهما .
ففي " التهذيب في اختصار
المدونة " (2/132) :
" وإن قال له : زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة ، أو قال : بخمسين ،
فلا خير فيه ، وهو من وجه الشغار ، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ، ويكون لكل واحدة
منهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل ، وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه "
انتهى .
وإنما سمي " وجه الشغار" : " لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا ، لَيْسَ بِشِغَارٍ ؛ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَهُوَ شِغَارٌ " انتهى من " حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني " (2/52) .
والذي عليه جمهور العلماء :
أن هذا النكاح لا يعد من الشغار ، إذا تم تسمية مهرٍ لكلٍّ منهما .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :
" وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا
، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا
، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، وَصَدَاقَ
الْأُخْرَى كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ... = فَلَيْسَ
هَذَا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ " انتهى من " الأم " (5/83) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا ، فَقَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ،
عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ،
أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ
أَكْثَرُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ : صِحَّتُهُ "
انتهى من " المغني" (7/177) .
وقال ابن القيم : "
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ :
فَقِيلَ : هِيَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَقِيلَ : الْعِلَّةُ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ ، وَجَعْلُ بُضْعِ كُلِّ
وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ
إِلَيْهَا الْمَهْرُ ، بَلْ عَادَ الْمُهْرُ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَهُوَ مِلْكُهُ
لِبُضْعِ زَوْجَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِبُضْعِ مُوَلِّيَتِهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ
لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِخْلَاءٌ لِنِكَاحِهِمَا عَنْ مَهْرٍ
تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : بَلَدٌ
شَاغِرٌ مِنْ أَمِيرٍ ، وَدَارٌ شَاغِرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا : إِذَا خَلَتْ ،
وَشَغَرَ الْكَلْبُ : إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَأَخْلَى مَكَانَهَا .
فَإِذَا سَمَّوْا مَهْرًا مَعَ ذَلِكَ زَالَ الْمَحْذُورُ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا
اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ شَرْطًا لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ
الْعَقْدِ ، فَهَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد
" (5/99) .
ويدل على هذا : ما رواه البخاري (5112) ، ومسلم (1415) من طريق مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " ، " وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ
رحمه الله :
" لاَ أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ ، أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ ،
أَوْ نَافِعٍ ، أَوْ مَالِكٌ " انتهى من " الأم " للشافعي (6/197) .
وقد جاء ما يدل على أن هذا
التفسير من نافع رحمه الله تعالى .
ففي صحيح البخاري (6960) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر العمَري ، قَالَ: حَدَّثَنِي
نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " .
قُلْتُ لِنَافِعٍ : مَا الشِّغَارُ ؟
قَالَ : " يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ،
وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ " .
وقال الجوهري في " الصحاح "
(2/700) :
" والشِغارُ بكسر الشين : نِكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر :
زَوِّجْني ابنتك أو أختك على أن أزوِّجك أختي أو ابنتي ، على أنَّ صداق كلِّ واحدة
منهما بُضْعُ الأخرى ، كأنَّهما رفعا المهر وأخليا البُضْعَ عنه " انتهى .
وأما ما رواه مسلم من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمر العمري ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .
فإن تفسير الشغار فيه ليس من
قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، فقد رواه النسائي (6/112) : وبين فيه أن
تفسير الشغار ، هو في قول عبيد الله بن عمر العمري - أحد رواة الحديث - ، وليس من
قول النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا ، فلا حجة في هذا التفسير ، بل تفسير نافع أولى بالقبول منه .
وما ذهب إليه جمهور العلماء : أقوى وأرجح ، فإذا فُرض لها مهر مثلها ، وكان الزوج كفئا رضيت المرأة به : فليس هذا بنكاح الشغار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ
الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ
قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ
النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/126) .
وقد اختار هذا القول سماحة
الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ، فإنه سئل عن نكاح البدل إذا كانت كل واحدة من
الزوجتين راضية وكان لها مهرها كاملا .
فأجاب : " إذا كان الأمر كما ذكرت من أن لكل واحدة من الزوجين مهر مثلها ، وأن كل
واحدة منهما راضية بالزواج من الآخر : فلا بأس بالزواج المذكور ، وليس من الشغار
المحرم ، وبالله التوفيق " انتهى من " فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم " (10/159) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن
هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر
المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر
كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ،
فشرط عليه أن يزوجه ... .
فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع " انتهى
من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12/174) .
ومع القول بصحة العقد في هذه الصورة ، إلا أنه لا ينبغي سلوك هذه الطريق في الزواج .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم
آل الشيخ رحمه الله في " مجموع فتاويه " (10/158) :
" وينبغي أن يلاحظ في المستقبل : بأن لا يعقد نكاحا فيه مبادلة ، سواء ذكر فيه مهرا
أم لا ؛ لقوة القول بفساده ؛ لما فيه من فساد عظيم ؛ لأنه يفضي إلى إجبار النساء
على نكاح من لا يرغبن فيه ، إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء ، وهذا ، كما
لا يخفى : لا يجوز ؛ ولأنه يؤدي أيضا إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن ، كما هو
الواقع بين غالب الناس المتعاطين لهذا الأمر ، كما أنه يفضي إلى كثير من النزاع
والخصومات بعد الزواج " انتهى .
ثالثاً :
إذا وقع نكاح الشغار – يعني : في الصورة التي اتفق العلماء على أنها من الشغار
المنهي عنه ، على ما سبق - فهو باطل يجب فسخه عند جمهور العلماء ، وتجديد العقد .
سئل الإمام مالك رحمه الله
كما في " المدونة الكبرى " (2/98) :
" أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا
مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ
؟
قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ " انتهى .
وقال الشافعي :
" فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ " انتهى من " الأم " (6/198) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ
فَاسِدٌ " انتهى من " المغني " (10/42) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله
المالكي :
" وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ هَذَا النِّكَاحِ ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ
وَبَعْدَهُ " انتهى من " الاستذكار " (16/203) .
وعليه :
فمن تبين له أن زواجه كان على سبيل الشغار ، فيجب عليه فسخ هذا النكاح ، وعقده من
جديد مع توفر سائر شروطه ، وأن يفرض للمرأة فيه مهراً يتراضيان عليه ، فقد سئل
سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله عن نكاح الشغار فقال :
" النكاح فاسد ، ويلزم التفريق بينهما... ثم بعد ذلك هو خاطب من الخطاب إذا رغبته
المرأة ودفع لها مهر مثلها : جاز له نكاحها بعقد جديد " انتهى من " فتاوى الشيخ
محمد بن إبراهيم آل الشيخ " (10/160) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه
الله :
" فيزوجه وليها من جديد ، بعقد شرعي ومهر شرعي ، وبحضور شاهدين ، ولا حاجة إلى عدة
بل في الحال ؛ لأن الماء ماؤه ... أما إذا كان لا يرغب فيها ، وهي لا ترغب فيه ،
فيطلقها طلقة واحدة ، فإذا اعتدت تزوجها من شاءت " انتهى من " فتاوى نور على الدرب
" لابن باز (21/39) .
ولكن سبق أن علماء المذهب
الحنفي يصححون النكاح في هذه الصورة ، ويوجبون مهر المثل لكل امرأة .
فمن قلدهم في هذا القول ، أو كان في بلد عامة أهله على المذهب الحنفي ، أو القضاء
في محاكمهم عليه : فإنه لا يفسخ نكاحه ، كما هي القاعدة في المسائل الاجتهادية .
قال ابن قدامة رحمه الله ،
بعد الكلام على بطلان النكاح من غير ولي ، كما هو مذهب جمهور العلماء ، خلافا
للأحناف :
" فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي
لِعَقْدِهِ حَاكِمًا : لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ
؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ " انتهى من " المغني " (7/6) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :
" وَمَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ ، لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ ؛
كَحُكْمٍ " انتهى من " الفروع " (11/218) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله عن نكاح التحليل ، وماذا لو قلد المسلم بعض العلماء الذين أجازوه ؟
فأجاب :
" التَّحْلِيلُ الَّذِي يَتَوَاطَئُونَ فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ - لَفْظًا أَوْ
عُرْفًا - عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَوْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ذَلِكَ :
مُحَرَّمٌ ؛ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَهُ فِي
أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ ... وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا الْأَوَّلِ بِمِثْلِ
هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إمْسَاكُهَا بِهَذَا
التَّحْلِيلِ ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا .
لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ : جَوَازُ ذَلِكَ
؛ فَتَحَلَّلَتْ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ
ذَلِكَ : فَالْأَقْوَى : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ؛ بَلْ يُمْنَعُ
مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ فِي الْمَاضِي عَمَّا
سَلَفَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/151-152) .
وبناء على هذا ؛ فنكاحك صحيح ، ولكن ينهى الناس عن فعل ذلك في المستقبل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |