عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى المرأة الكافرة
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى المرأة الكافرةتحرير محل النزاع:
لا خلاف بين أهل العلم في تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة[1].
ولا خلاف أن السَّوْأتين من الرجُل والمرأةِ عورةٌ.
ولا خلاف أن إبداءَ ما بين السرة والركبة لغير ضرورةٍ قصدا ليس من مكارم الأخلاق، ولا خلاف أن ذلك من المرأة عورة على النساء والرجال[2].
واختلفوا في عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى المرأة الكافرة فيما فوق السرة وتحت والركبة على ثلاثة أقوال.
سبب اختلافهم:
من قال بعموم قوله تعالى: ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ [النور:31]، قال بأنه يدخل فيه النساء الكافرات، فيأخذن حكم محارم المرأة في النظر إليها، ومن قال بأنه خاص بالمسلمات أخرج الكافرات من الحكم، وهؤلاء اختلفوا على قولين:
منهم من قاسها على عورة الرجل مع الرجل، ومنهم من قاسها على عورتها مع الأجنبي في عدم النظر إليها مطلقا.
أقوال العلماء في عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى المرأة الكافرة:
القول الأول: جميع بدنها عورة سوى ما يظهر منها غالبا، كالرقبة والشعر والقدمين.
القائلون به: الأصح عند الحنفية[3]، والمالكية[4]، ورواية عند الحنابلة[5]، والأصح عند الشافعية[6].
إلا أن المالكية قالت: لا ترى إلا الوجه والكفين.
وقالت الشافعية: ترى منها ما يبدو عند المهنة، أي الخدمة في البيت، وقيل: الوجه والكفين فقط.
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
وجه الدلالة: قوله تعالى: ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ فيه أن المرأة سواء كانت مسلمة أو ذمية ترى من المرأة ما يراه المحرَم[7].
أجيب بأنها خاصة بالمسلمات[8]، وليست الكافرات، فلا ترى شيئا منها[9]، ولو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص فائدة[10].
نوقش بأن الآية عامة تشمل جميع النساء[11]، ولا دليل على التخصيص.
ثانيا: السنة النبوية:
كانت النساء الكافرات من اليهوديات وغيرهن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكُنَّ يحتجبن، ولا أَمرن بحجاب، من ذلك:
- عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، الحديث[12].
- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»[13].
وجه الدلالة: هذان الحديثان صريحان في حِل نظر المرأة الكافرة إلى المرأة المسلمة فيما يبدو غالبا[14].
ثالثا: الآثار:
كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: «بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ قِبَلَكَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ مَعَ نِسَاءِ الْمُشْرِكَاتِ، فَانْهَ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرَى عَوْرَاتِهَا غَيْرُ أَهْلِ دِينِهَا»[15].
وجه الدلالة: منع عمر رضي الله عنه الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات فيه دلالة على أنه لا يحل للمسلمة أن تبدي للكافرة ما لا يظهر غالبا منها[16].
أجيب بأنه منقطع؛ فإن عبادة لم يدرك عمر رضي الله عنه[17].
رابعا: المعقول:
1- لأنها قد تصفها لكافر يفتنها[18].
2- لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرد أمام مشركة، أو كتابية[19].
3- نظرا إلى اتحاد الجنس كالرجال، فلا فرق بين نظر الكافر إلى المسلم، والمسلم إلى المسلم[20].
القول الثاني: العورة ما بين السرة والركبة إذا أمنت الشهوة والفتنة.
القائلون به: وجه عند الشافعية[21]،................................
والحنابلة[22].
التعليل:
1- لأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية، فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما، كالمسلم مع الذمي[23].
2- لأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس، ولم يوجد واحد منهما[24].
أجيب بأنه ثبت كما تقدم.
القول الثالث: جميع بدنها عورة.
القائلون به: رواية عند الحنابلة[25]، ووجه عند الشافعية[26].
الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
وجه الدلالة: قوله تعالى: ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ أي المسلمات، وهذا خاص بهن[27]، وليست الكافرات من أهل الذمة وغيرهم من نساء المؤمنات[28]، ولو جاز للكافرة النظر لم يبق للتخصيص فائدة[29]، لذلك لا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أَمة لها[30].
أجيب بأن المراد بالآية جملة النساء[31]، ولا دليل على التخصيص.
ثانيا: المعقول:
لأنها تعين المرأة الكافرة بالنظر إليها على ما يخشى منه مفسدة، وهو وصفها لمن قد تفتتن به، وعلى محرَّم؛ إذ الكافر مكلف بأحكام الإسلام[32].
الترجيح: أرى أن الراجحفي عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى المرأة الكافرة جميع بدنها سوى ما يظهر غالبا منها، كالرأس، والرقبة، والكفين، والقدمين، وذلك لأمرين:
أحدهما: قوة أدلة القائلين بذلك، وثبوتها بخلاف أدلة القائلين بالقول الثاني.
الآخر: دفعا لشيوع الفتن، والشهوات لا سيما في زماننا الذي عمت فيه البلوى.
[1] يُنْظَر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (4/ 30).
[2] يُنْظَر: القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، (2/ 186).
[3] يُنْظَر: ابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (6/ 371).
[4] يُنْظَر: الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (1/ 213).
[5] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505)، والمرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، (20/ 36).
[6] يُنْظَر: الحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، صـ (353)، وابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200)، والشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213)، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407).
[7] يُنْظَر: ابن العربي، أحكام القرآن، (3/ 385)، وابن قدامة، المغني، (9/ 506).
[8] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505).
[9] يُنْظَر: يحيى بن سلام، تفسير يحيى بن سلام، (1/ 441)، وابن أبي زَمَنِين، تفسير القرآن العزيز، (3/ 231)، والحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، صـ (353)، وابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (6/ 371).
[10] يُنْظَر: الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[11] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 506).
[12] متفق عليه: أخْرجَهُ البخاري (1049)، باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، ومسلم (903)، كتاب الكسوف.
[13] متفق عليه: أخْرجَهُ البخاري (2620)، باب الهدية للمشركين، ومسلم (1003)، كتاب الزكاة.
[14] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505)، وابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[15] ضعيف: أَخْرَجَهُ عبد الرزاق في المصنف (1136)، والبيهقي في الآداب، صـ (246)، قال الألباني: «رجاله ثقات لكنه منقطع؛ فإن عبادة لم يدرك عمر رضي الله عنه بينهما نُسَي والد عبادة».
[يُنْظَر: الألباني، جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة، صـ (115)].
[16] يُنْظَر: ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[17] يُنْظَر: الألباني، جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة، صـ (115).
[18] يُنْظَر: ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200)، والشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[19] يُنْظَر: ابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (6/ 371).
[20] يُنْظَر: الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[21] يُنْظَر: الحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، صـ (353)، والشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213)، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407).
[22] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505)، والمرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، (20/ 48)، والحجاوي، الإقناع لطالب الانتفاع، ( 3/ 299).
[23] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 506).
[24] السابق، (9/ 506).
[25] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505)، والمرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، (20/ 48).
[26] يُنْظَر: ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200)، والشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407).
[27] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 505).
[28] يُنْظَر: يحيى بن سلام، تفسير يحيى بن سلام، (1/ 441)، وابن أبي زَمَنِين، تفسير القرآن العزيز، (3/ 231)، والحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، صـ (353)، وابن عابدين، حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار»، (6/ 371).
[29] يُنْظَر: الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (2/ 407)، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (4/ 213).
[30] يُنْظَر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (12/ 233).
[31] يُنْظَر: ابن قدامة، المغني، (9/ 506).
[32] يُنْظَر: ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، (7/ 200).