عنوان الفتوى : تراوده شكوك أنه ساهم في إلحاق ضرر بالغير

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ربما تكون المسألة التي سأعرضها غريبة جدا ، لكن ما جعلني أطرحها : هو شعوري بالندم ، و القلق ، والقصة هي : في يوم من الأيام كنت أود إصلاح إطارات سيارتي عند الميكانيكي ، وأنا في الطريق إلى الورشة كان في طريقي بركة مياه ، لا أعرف إن كانت مياه أمطار ، أو مجاري - أكرمكم الله - ، مررت عليها ، وبعد أن وصلت إلى الورشة خفت على نفسي ، ولم ألمس إطارات السيارة ؛ لأني أعرف أن مياه المجاري ، والأوساخ التي في الأرض قد تحمل بكتيريا ، و فيروسات خطيرة ، تسبب أمراضا قاتلة للإنسان ، لكني في نفس الوقت تهاونا ، وعدم مبالاة مني لم أنبه الميكانيكيي بأن يرتدي شيئا واقيا قبل أن يلمس الإطارات ؛ حتى لا يلوث يداه . سؤالي هو: في حالة لا قدر الله حدث مكره لهذا الرجل بسببي ، ومات ، هل هذا يعتبر شروع في القتل - والعياذ بالله - أو قتل الخطأ ؟ وما يكون موقفي شرعا بالضبط ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
هذا القلق الذي يعتريك وهذه الشكوك التي توهمك أنّك ساهمت في إلحاق ضرر بغيرك ، هي مجرد شكوك ووساوس ، فإن هذا الماء الذي مررت به : أنت لم تعلم حاله أصلا ، والأصل أن طين الشوارع ، وما فيها من ماء : على طهارته ، إلا إذا علم أنه ماء نجس .
ثم قد مرّت عجلات سيارتك على أرض بعدها ، وغالبا ما تساهم في إزالة وتنظيف ما قد التصق بالعجلات من قبل .
وبغض النظر عن ذلك كله : فمثل هذا القذر والأذى يكون ظاهرا للعيان ، فلو كان هناك ما يستوجب التنظيف ، أو الاحتراز : لتوقى منه هذا الرجل ، وهذه مهنته وصنعته ، وليس ما يصيب سيارتك بشيء نادر لا ينتبه إليه ، بل هو غالب معتاد ، والرجل أدرى بما يستوجب التوقي وما لا يستوجبه في مثل ذلك .
وليس من شك في أن ما ذكرته من احتمال تضرر الميكانيكي بذلك : ليس أكثر من وساوس وأوهام شيطانيه ، يلقيها الشيطان في نفسك ، لتبقى قلقا مضطربا ، حزينا من أمر لا حاصل له.
والشيطان كما يفتن الناس ويصرفهم عن الخيرات بالشهوات والشبهات ، كذلك يقعدهم عن العمل الصالح والنافع بالوساوس والأحزان .
والحزن على مالا يمكن تحققه ، أو يتعذر تداركه : من شأنه أن يدخل على القلب الوساوس ، ويشغله عمّا يفيده ، وينزل به الضعف والوهن ، وهذا معنى مردود ، وحال مذموم .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الهمّ والحزن ، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) . رواه البخاري (6369 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وأما ‏( الحزن‏ ) فلم يأمر اللّه به ولا رسوله ، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين ، كقوله تعالى‏:‏ ‏( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)‏ آل عمران/139‏‏، وقوله‏:‏ ‏( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) ‏النحل‏ /127 ‏، وقوله‏ :‏ ‏( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ‏التوبة‏‏ / ‏40 ، وقوله‏:‏ ‏( وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ) ‏يونس/65 ، وقوله ( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ‏الحديد‏/23 .‏ وأمثال ذلك كثير‏.‏
وذلك لأنه لا يجلب منفعة ، ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه ، وما لا فائدة فيه لا يأمر اللّه به ...‏
وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر اللّه ورسوله به كان مذمومًا عليه من تلك الجهة ، وإن كان محمودًا من جهة أخرى‏ " .
انتهى " مجموع الفتاوى " ( 10/16-17 ) .‏

والواجب عليك أن تقبل على ما ينفعك ، وتصرف عنك الوساوس والظنون والأوهام .
وينظر جواب السؤال رقم :(102851).
والله أعلم .