عنوان الفتوى : وساوس شيطانية ، أسبابها ، وطرق علاجها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

مشكلتي كبيرة ، لقد كنت أزداد علماً بالإسلام ، لكن الآن والامتحانات على الأبواب تساورني شكوك وشبهات لا أستطيع التكلم بها ، أعني : شبهات مثل : هل كان محمّدٌ صلى الله عليه وسلم نبيّاً حقّاً ؟ وأشياء من هذا القبيل ، ولم أعد أستطيع التركيز في دروسي . فرجاء نصحي .

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق


الحمد لله
أولاً:
من الجيد أن تقلق على نفسك ، ومن الجيد أنك مستاء لما أصابك ، ومن الجيد أنك راسلتنا تطلب النصح والإرشاد ، وهذا يدل على يقظة قلبك ، وفطنة عقلك ، ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه .

ثانياً:
هذه الحالة التي أصابتك أخي الفاضل هي ما يسمى " الوسواس القهري " ، ونحب أن نطمئنك وأن نفرحك ونسعدك ، وذلك من خلال أمور :
1. أنه لا تبنى أحكام على هذا الوسواس ، فلا يقع طلاق ، ولا يمين ، ولا تنتقض طهارة ، وكذا لا تقع ردة من المسلم إن تعلق الوسواس بأصل من أصول العقيدة ، فلو قهره الوسواس حتى تطرق إلى وجود الله ، أو الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم : فكل ذلك لا يُبنى عليه حكم ، فلتطمئن لذلك ، وليمت الشيطان في كمده وقهره .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : َ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّم ) . رواه البخاري ( 2391 ) ومسلم (127) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
والمراد : نفي الحرج عما يقع في النفس ، حتى يقع العمل بالجوارح ، أو القول باللسان على وفق ذلك ، والمراد بالوسوسة : تردد الشيء في النفس ، من غير أن يطمئن إليه ، ويستقر عنده .
" فتح الباري " ( 5 / 161 ) .
وانظر تفصيلاً مهماً للشيخ العثيمين في جواب السؤال رقم (10160) وفيه فتواه بعدم وقوع ضرر المسلم من الوسوسة بذات الله ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دينه .
2. أن هذه الوساوس تدل – إن شاء الله – على إيمان ، ويقين ، ولذلك حرص الشيطان على هذه الوسوسة ، ولولا أنه رأى عندك إيماناً واستقامة لما حرص على مثل هذا الكيد ، وتلك الوسوسة ، وخاصة أنك تتعاظم من قول ما يوسوس لك به الشيطان .
ولسنا نقول لك ذلك مداراة لك ، بل هو نص النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما فهمه علماء الأمة الثقات الأثبات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) .
رواه البخاري ( 3102 ) ومسلم ( 134 ) .
وفي رواية مسلم : ( آمنت بالله ورسله ) .
وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ( جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ، قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ ) . رواه مسلم ( 132 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه ، فينكد عليه بالوسوسة ؛ لعجزه عن إغوائه ، وأما الكافر : فإنه يأتيه من حيث شاء ، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة ، بل يتلاعب به كيف أراد ، فعلى هذا معنى الحديث : سبب الوسوسة : محض الإيمان ، أو الوسوسة علامة محض الإيمان ، وهذا القول اختيار القاضي عياض ... .
" شرح مسلم " ( 2 / 154 ) .
3. أن علاج هذه الوساوس سهل يسير ، فما عليك إلا الالتزام بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم ، من الانتهاء عن الاسترسال مع تلك الوساوس ، والإعراض عنها ، والاستعاذة ، وقول " آمنت بالله " ، والانشغال عنها بتعظيم الله تعالى ، وذِكره ، ودعائه ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال النووي – رحمه الله - :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليستعذ بالله ولينته ) فمعناه : إذا عرض له هذا الوسواس : فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شرِّه عنه ، وليُعرض عن الفكر في ذلك ، وليَعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان ، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء ، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته ، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها ، والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 2 / 155 ، 156 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
أنا شاب مسلم ، في بدء الالتزام ، وتعرضني تبعات من الشيطان كثيرة ، كلما استطعت أن أتغلب عليها : أتى لي بواحدة أخرى ، وبعد ما كنت قد وصلت مرحلة طيبة من الالتزام وكنت أرى - بحمد الله وبمنِّه - على أني أحسن قليلا من الذين هم حولي : بدأت أرى الناس الذين كنت أراهم أقل منِّي التزاماً أراهم الآن أحسن مني ، وأسبق مني إلى طاعة الله ، وأنظر إلى نفسي فأجد نفسي في انحدار شديدٍ ، بعيداً عن الالتزام الذي كنت فيه ، وإني أقاوم نفسي والشيطان بكل طريقة ، ولا أجد من يشعر بما يمزق صدري وقلبي من الداخل أو من أفضي إليه بما يدور في نفسي من أباطيل يضعها الشيطان في صدري ، وإن هذا الوسواس لا يتركني لحظة واحدة في كل حركة ، وفي كل سكنة ؛ في المسجد ، وفي الشارع ، وفي المنزل ، وفي المدرسة ، فهل من أحد يقف بجانبي أمام هذا الشيطان ، فهل من أحد يسخره الله في مساعدتي ؟ .
فأجابوا :
ننصحك بترك الوساوس ، والإعراض عنها ، والإكثار من تلاوة القرآن ، والأعمال الصالحة ، واللجوء إلى الله ، والتضرع إليه ، ودعائه سبحانه أن يدفع عنك كيد الشيطان ، ويثبتك على الحق ، ويسدد خطاك ؛ فإنه سبحانه بيده نواصي العباد ، جنّهم وإنسهم ، يصرفها كيف يشاء ، وإياك والإعجاب بعبادتك والاغترار بحسن سلوكك وكثرة أعمالك الصالحات ، ولا تنظر في العبادة وشؤون الآخرة إلى من هو دونك ؛ فإنه مدرجة للغرور ، وقلة الأعمال الصالحات ، والتباطؤ عنها ، ولعب الشيطان على المسلم ، وتثبيط همته عن الخير ، وانظر إلى من هو فوقك في الاعتصام بكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بذلك ، والحرص عليه ؛ فإنها أدعى إلى الازدياد من الأعمال الصالحات ، والمسارعة إلى مغفرة الله ورحمته ، والنهوض إلى الدرجات العلى ، والنعيم المقيم ، عسى الله أن يثبتك على الحق ، ويهديك سواء السبيل ، ويزيل عنك الوساوس .
وننصحك – أيضا - بقراءة كتاب " تلبيس إبليس " تأليف أبي الفرج بن الجوزي ؛ فإنه عني بالكتابة في الموضوع ، ونرجو أن ينفعك الله بقراءته .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 194 ) .
وانظر تفصيلات مهمَّة في هذا الباب في أجوبة الأسئلة : (39684) و (62839) و (25778) و (12315) .
فلا تقلق أخي السائل ، وقد رأيت المبشرات ، والمفرحات ، فما عليك الآن سوى الأخذ بما نصحك به العلماء انطلاقاً من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسأل الله أن يرد عنك الشيطان ، وأن ييسر لك الخير حيث كان .

والله أعلم.