عنوان الفتوى : ليس لها ولي فوكلت شخصاً بعقد نكحها مع وجود القاضي ؟
تزوجت منذ ثلاث سنين ، وعندما تزوجت لم يكن قد مضى على اعتناقي للإسلام إلا ثلاثة أشهر، لذلك لم يكن لدي ولي ، فرشح خطيبي أحد أصدقائه ، ممن لا أعرفهم ليكون ولياً لي، وتم العقد هناك في مصر ، بحضور قاضٍ مسلم ، وخطيبي ، وهذا الشاب الذي كان ولياً لي ، والذي لعب دور أحد الشهود أيضاً ، وشاهد آخر ، والآن وبعد أن قرأت شروط الولي في حق من لم يكن لها ولي ، بدأت الشكوك تدور في ذهني ، وأخشى أن ذلك الصديق لم تكن تنطبق عليه هذه الشروط ، وبالتالي لم يكن الزواج صحيحاً!. فما رأيكم ؟ هل كان زواجي صحيحا ؟ وهل يمكن لمن اعتنقت الإسلام أن تختار أي رجل من المسلمين ليكون لها وليا ؟ أم لا بد وأن يكون شيخاً ؟ وماذا لو اختارت شخصاً لا يصلح للولاية ، هل يكون زواجها صحيحاً ؟
الحمد لله :
الجواب
أولاً :
الأصل في المرأة التي ليس لها ولي : أن يتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي ، أو مأذون
الأنكحة .
قال ابن قدامة المقدسي : " لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِي
أَنَّ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةَ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَدَمِ أَوْلِيَائِهَا
... والسُّلْطَانُ هَاهُنَا هُوَ الْإِمَامُ ، أَوْ الْحَاكِمُ ، أَوْ مَنْ
فَوَّضَا إلَيْهِ ذَلِكَ ".
انتهى من "المغني" (9/360) .
قال الشيخ ابن عثيمين: " المراد بالسلطان : الإمام الرئيس الأعلى في الدولة ، أو من
ينوب منابه ، والذي ينوب منابه في وقتنا الحاضر: وزارة العدل ، ومن ورائها : مأذون
الأنكحة ". انتهى من "الشرح الممتع" (12/76) .
ثانياً :
إذا كانت المرأة في موضع ليس فيه قاضٍ شرعي ، يجوز لها أن تولي أمرها رجلاً عدلاً
من المسلمين ليعقد نكاحها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا ذُو
سُلْطَانٍ ، فَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا رَجُلٌ عَدْلٌ
بِإِذْنِهَا " انتهى من "المغني" (9/362).
قال القرطبي رحمه الله : " وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ
فِيهِ ، وَلَا وَلِيَّ لَهَا ، فَإِنَّهَا تُصَيِّرُ أَمْرَهَا إِلَى مَنْ يُوثَقُ
بِهِ مِنْ جِيرَانِهَا ، فَيُزَوِّجُهَا وَيَكُونُ هُوَ وَلِيَّهَا فِي هَذِهِ
الْحَالِ ، لِأَنَّ النَّاسَ لا بد لَهُمْ مِنَ التَّزْوِيجِ ، وَإِنَّمَا
يَعْمَلُونَ فِيهِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنُ ".
انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (3/76).
وقال النووي رحمه الله : " رَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَنَّ
الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِذَا كَانَ فِي الرُّفْقَةِ
امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا، فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا حَتَّى يُزَوِّجَهَا،
جَازَ".
انتهى من "روضة الطالبين" (7/50).
ولكن المرأة التي ليس لها
ولي ، إذا ولت أمرها لرجل من ثقات المسلمين ، مع وجود سلطان في البلد ، فهل يصح ذلك
؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم ، وقد أجاز ذلك جمعٌ منهم ، والأكثر على المنع .
قال ابن قدامة المقدسي : " وَالصَّحِيحُ : أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ بِحَالِ
عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ" . انتهى من "المغني" (9/362).
قال الخطيب الشربيني : " لَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ ، فَوَلَّتْ مَعَ
خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا .. لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ
مُحَكَّمٌ ، وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ...؛ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ [ وهو جمال الدين الإسنوي ] : وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ
بِفَقْدِ الْحَاكِمِ ، بَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ ، سَفَرًا وَحَضَرًا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي بَعِيدٌ مِنْ
الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ حَاضِرٌ ، وَيَظْهَرُ
الْجَزْمُ بِمَنْعِ الصِّحَّةِ ، إذَا أَمْكَنَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ
، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ التَّزْوِيجِ مِنْ حَاكِمٍ أَهْلٍ حَاضِرٍ
بِالْبَلَدِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ " انتهى من " مغني المحتاج" (4/244) بتصرف .
وقال القرطبي : " قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ الْحَالِ : إِنَّهُ
يُزَوِّجُهَا مَنْ تُسْنِدُ أَمْرَهَا إِلَيْهِ ، لِأَنَّهَا مِمَّنْ تَضْعُفُ عَنِ
السُّلْطَانِ ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا سُلْطَانَ بِحَضْرَتِهَا ، فَرَجَعَتْ فِي
الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْلِيَاؤُهَا " انتهى من "الجامع لأحكام
القرآن" (3/76).
وجاء في " المحلّى" (11/30) : " وصح عن ابن سيرين في امرأة لا ولي لها ، فولت رجلاً
أمرها، فزوّجها ، قال ابن سيرين: لا بأس بذلك ، المؤمنون بعضهم أولياء بعض".
وبناء على ما سبق :
فالذي يظهر أن عقد نكاحك صحيح لأنه تم بإذن القاضي ، أو مأذون الأنكحة في مصر ، وهو
بمثابة إقرار منه لهذا الرجل بتولي عقد النكاح نيابة عنك .
ثالثاً:
لا إشكال في تولي ذلك الرجل عقد نكاحك والشهادة على العقد في آن واحد ؛ ولا يؤثر
هذا على صحة العقد ، فمجلس العقد قد حضره ثلاثة رجال وكل هؤلاء شهود عليه ، فالشاهد
لا ينحصر فيمن وقّع على العقد ، بل كل رجل حضر العقد من كاتبٍ وقريبٍ ، فهو شاهد
عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين : " يصح أن يكون أحد الشاهدين : المأذون الشرعي ، وعلى هذا
فإذا حضر الرجل والمأذون الشرعي وشاهد ، وزوجه الولي فالعقد صحيح ؛ لأن المأذون
شاهد " ، انتهى من " اللقاء الشهري " (76/ 7، بترقيم الشاملة آليا) .
مع العلم أن جمعاً من أهل العلم يصححون النكاح إذا تم إعلانه وإشهاره بين الناس ،
ولو لم يشهد عليه رجلان ، لأن الإعلان يغني عن الشهادة .
ينظر جواب السؤال : (151270) ، (124678)
، (112112).
والله أعلم .