عنوان الفتوى : أحكام ليلة النصف من شعبان
شيوخنا الكرام السلام عليكم : نريد توضيحا دقيقا لحكم الدعاء والصلاة في ليلة النصف من شعبان والصلاة فيها؟
مع خالص شكرنا الجزيل لكم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من الليالي التي يتجمع فيها الناس للتوسعة أحيانا ، والدعاء أحيانا أخرى ليلة النصف من شعبان معتقدين أن هناك أحاديث صحيحة وردت في فضل تلك الليلة، فيخصونها بمزيد من التعبد.
و التعبد لله تعالى في حقيقة الأمر مندوب في كل وقت ولكن تخصيصه في وقت معين من العام دون غيره لا سند صحيح يدعمه.
وليلة النصف من شعبان، لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء، وبعضهم ردها وقالوا : لم يصح في ليلة النصف من شعبان أي حديث؛ إلا أن هناك من حسّن مجموعة من الأحاديث التي تدعو للدعاء والاستغفار.
وذكر البعض أن هناك صيغة معينة للدعاء وهذه لم يرد بها شيء صحيح، والأصل أن العبد قريب من ربه يدعوه في أي وقت وبكل صيغة فيها من الأدب وفيها من الخضوع لله تعالى ما يكون أجدى معها للقبول.
وسنحاول هنا بيان مجموعة من الأحكام الخاصة بليلة النصف من شعبان:
أولا: فضل ليلة النصف من شعبان:
وردت مجموعة من الأحاديث التي تبين فضل ليلة النصف من شعبان سنورد تلك الأحاديث مع بيان الحكم عليها :
1- روى ابن ماجه :”إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن” (المشاحن: المعادي) أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في الليلة النصف من شعبان رقم (1390) وضعفه السيوطي، وفي مجمع الزوائد: إسناده ضعيف.
فواضح حكم العلماء على الحديث بأنه ضعيف، وإن كان متنه في شق منه يتوافق مع قوله تعالى :” إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً” سورة النساء ، وإن دل هذا على شيء من شمول المغفرة للجميع فإنه لا يدل على صحة الحديث، كما أن حجب المشاحن عن المغفرة وهو المعادي على إطلاقها يتنافى مع صريح الآية.
2- وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد في مسنده :”إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب” رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن عائشة وحسنه السيوطي غير أن الترمذي قال : إن البخاري ضعفه.
3-“في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة” رواه الدينوري في المجالسة عن راشد بن سعد مرسلا وضعفه السيوطي.
فواضح من الأحاديث أنها ضعيفة والضعيف يمكن الأخذ به في فضائل الأعمال كما هو معروف عند علماء المصطلح.
ومع بعض الآثار الواردة في أن الله تعالى يغفر في كل ليلة للمستغفرين والمسترحمين، وهذه الليلة منها وجاء فيها أن الله يغفر لهؤلاء، ومع فضل شهر شعبان الذي ترفع فيه الأعمال لله تعالى ويغفل عنه كثير من الناس رأى بعض العلماء القدامى كالإمام القسطلاني، والمعاصرين كالشيخ عطية صقر –رحمهما الله تعالى- عدم الممانعة في الاحتفال بها بشرط أن يكون الأسلوب مشروعا ومما يقوله الشيخ عطية صقر رحمه الله :”والإحياء شخصيًا أو جماعيًا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال في هذه الليلة ليس على النَّسَقِ وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهي تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزْمِ بأنه كان في هذه الليلة فهناك أقوال بأنه في غيرها، والاحتفال بالذكريات له حُكمه،والذي أراه عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعًا، والهدف خالصًا لله سبحانه”
ثانيا: صلاة مائة ركعة :
صلاة القيام بصفة عامة مرغب فيها، لا سيما في الثلث الأخير من الليل ، ولكن ما ورد من أن ليلة النصف من شعبان تحيي بمائة ركعة، وأن الصلاة فيها تكون بنية طول العمر أو سعة الرزق فهو بدعة قال النووي في المجموع :” الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بِدْعَتَانِ مُنكرتان، ولا تَغْتَرّْ بذكرهما في كتاب قوت القلوب ـ لأبي طالب المكي ـ وإحياء علوم الدين ـ للإمام الغزالي ـ ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض مَنِ اشْتَبَهَ عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك” وذكر هذا أيضا في مغني المحتاج للخطيب الشربيني .
ويقول العجلوني في كشف الخفاء : “وباب صلاة الرغائب وصلاة نصف شعبان وصلاة نصف رجب وصلاة الإيمان وصلاة ليلة المعراج وصلاة ليلة القدر وصلاة كل ليلة من رجب وشعبان ورمضان، وهذه الأبواب لم يصح فيها شيء أصلا”.
ثالثا: ما ورد فيها من دعاء مخصوص:
ورد دعاء مخصوص يردده الناس في هذه الليلة نسبوه لابن مسعود هو:”اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا علي في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني وطردي، وإقتار رزقي وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدًا مرزوقًا موفقًا للخيرات كلها فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل وعلى لسان نبيك المرسل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب) . روي جزء منه في كنز العمال باب الأدعية المطلقة.
يقول الشيخ القرضاوي حفظه الله :” ففي هذا الكلام نرى تناقضًا واضحًا:
ففي أوله يقول: إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا .. فامح هذا وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدًا مرزوقًا موفقًا للخيرات … لأنك قلت (يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب( فمعنى الآية أن أم الكتاب لا محو فيها ولا إثبات، فكيف يطالب بالمحو والإثبات في أم الكتاب.
ثم هذا الكلام ينافي ما جاء في أدب الدعاء، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ” إذا سألتم الله فأجزموا في المسألة ” لا يقل أحدكم: يا رب اغفر لي إن شئت، أو ارحمني إن شئت، أو ارزقني إن شئت، فإن الله لا مكره له، بل ينبغي أن يقول: اغفر لي، ارحمني، ارزقني … بالجزم واليقين .. لأن هذا هو المطلوب ممن يدعو ربه عز وجل”.
رابعا: صومها :
لم يرد صومها إلا إن صادفت يوما مسنونا كالاثنين أو الخميس، ولكن عدها العلماء فاصلة يكون ما بعدها مكروها صومه استعدادا لرمضان إلا إن كان متعودا على الصوم قبل ذلك فيجوز له، وفي الصوم قرب من الله تعالى والإكثار منه يكون استعدادا لرمضان نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه بالقبول والرضا.
والله أعلم.
ويمكنكم قراءة الفتاوى التالية:
التجمع والدعاء المشهور ليلة النصف من شعبان
ليلة النصف من شعبان: فضلها وحكم إحيائها
صيام النصف الثاني من شهر شعبان
حكم الصيام بعد النصف من شعبان