عنوان الفتوى : عواقب التفريط في تربية الأولاد والتفريط في حقوقهم
ابني يعيش مع طليقتي في بلدها، وأنا أعيش في بلد آخر، ولم أره منذ سنوات، وكل ما أفعله هو أنني أرسل النفقة إليه، فهل أنا مذنب وآثم لأنني لا أسأل عن أحواله، ولا أشتاق إليه، خاصة أنني لن أستطيع أن أساعده في أي شيء، لأنه يعيش في بلد آخر؟ علما أن أناسا كانوا في تلك البلاد وأخبروني أن ظروفه صعبة وأنه بحاجة إلي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للابن على أبيه في الإسلام حقوقا سوى النفقة، وذلك بأن يحسن تربيته وتأديبه، وأن يصونه عن المحرمات وعما يفسد أخلاقه، قال بن القيم في كتاب تحفة المودود: باب في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم: قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة {التحريم: 6} قال علي رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم ـ وقال الحسن: مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير ـ وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ـ ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع، وقد روى الحاكم عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله. وذكر البيهقي عن أبي سعيد وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما، فإنما إثمه على أبيه. وقال عبد الله بن عمر: أدب ابنك، فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك ـ وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير راع على الناس، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ـ فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا، فعققتك كبيرا، وأضعتني وليدا، فأضعتك شيخا ـ فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه، وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء. اهـ بتصرف.
وراجع للفائدة عن حقوق الأبناء على آبائهم الفتوى رقم: 23307.
والأوامر الشرعية منوطة بالقدرة عليها، فلا يجب عليك تجاه ابنك إلا ما تقدر عليه، أما ما تعجر عنه ولا تستطيعه فلا إثم عليك فيه، قال سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}،
وينبغي لك أن تدعو لابنك بالصلاح والخير، فإن دعاء الوالد لابنه مجاب، جاء في الحديث: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. أخرجه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وأما الاشتياق للابن: فليس أمرا واجبا، ولا يحاسب الإنسان عليه، فمعلوم أن المحبة ونحوها من المشاعر ليست مما يملكه الإنسان في غالب أحواله.
والله أعلم.