عنوان الفتوى : العبادة الحقيقية لله تقترن بالخوف والرجاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهعندي سؤال : هل عندما يفعل الإنسان الحسنات ويصوم ويصلي لكي يؤجر عليها من الله سبحانه وتعالى هل هذا يعتبر إخلاصا في العمل ؟؟؟ وبارك الله فيكم وإن لم يكن فكيف يكون جزاكم الله خيراً....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رجاء الثواب من الله تعالى والرغبة في جنته.... والخوف من غضبه وعقابه... لا يتنافى مع الإخلاص قطعا.... بل هو دأب الصالحين، وعبادة المقربين من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم إلى يوم الدين.
تواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.... فقد قال تعالى حكاية عن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام في بعض أدعيته الكثيرة:وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85)]. وقال تعالى:إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً [الأنبياء: 90].
والآيات في هذا المعنى لا تعد ولا تحصى كثرة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزل قول الله تعالى:لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
قام أبو طلحة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه و سلم، وكان أكثر الأنصار مالاً وكان أحب ماله إليه بيرحاء(حديقة) وكانت مقابلة للمسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل إليها ويشرب من ماء فيها طيب، فقال أبو طلحة : يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك هذه الآية:لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بخ" ذلك مال رابح، ذلك مال رابح... وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.
ومحل الشاهد منه أن أبا طلحة قال: إني لأرجو برها وذخرها عند الله تعالى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، ولم يقل له لا تقل ذلك فإن هذا ينقص من أجرك أو يتنافى مع الإخلاص.
والرسول صلى الله عليه وسلم سكوته إقرار، وأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بذكر الخوف والرجاء، وهكذا السلف الصالح كلهم .... وعلى هذا درج المؤلفون من أهل السنة فلا تكاد تجد كتاباً إلا وفيه باب الخوف، وباب الرجاء بل هنالك كتب مختصة في الترغيب والترهيب.
وبهذا نعلم أن هذا هو منهج الإسلام الصحيح، قال العلامة عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- بعد أن بحث في هذا الموضوع بحثاً وافيا عند تفسير قول الله تعالى في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان:وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً [الفرقان:65].
قال -رحمه الله-: لقد بان بما ذكرنا أن العبادة مقرونة بالخوف والرجاء هي المنهج الصحيح.... ولقد بحثنا في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نظفر بآية أو حديث فيه التصريح بمشروعية العبادة مجردة منهما فضلاً أنها أكمل منهما.......
ثم قال: والعبادة الخالية من الخوف والرجاء منافية لصدق مشاهدة الجمال والجلال، مخالفة لعبادة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، ولم يرد فيها نص صريح من كتاب وسنة.... وما دامت كذلك فليس لنا أن نعدها مشروعة فضلا عن أن نعدها كاملة وأحرى أن تكون أكمل لأن مشروعية الشيء لا تثبت إلا بدليل صحيح صريح.
ونرجو من السائل الكريم أن يطلع على بحث هذا العلامة في الموضع المذكور، ولكن من أين جاءت هذه الفكرة ؟ أو من أين نبنت هذه النابتة التي أصبحت ترد على ألسنة بعض الشباب الذين لهم دين واستقامة ؟
الحقيقة أن هذه النابتة جاءت من الفكر الصوفي -والدخيل منه بالذات- : فقد كان علماء السلف يأخذون دين الله كله بمراتبه الثلاثة (الإسلام والإيمان والإحسان) ثم صار أهل الفقه أخص بمعرفة الإسلام وأحكامه الظاهرة، وأهل العقائد والتوحيد والكلام أخص بالإيمان وما حوله من بحوث ..... وجاء الصوفية ليقولوا: نحن أخص بمنزلة الإحسان، ولكنهم أدخلوا أشياء جديدة ومحدثات ... منها ما يسمى بالحب الإلهي ظهر ذلك في أواخر القرن الثاني الهجري على لسان رابعة العدوية .... وبعدها وذي النون المصري وسليمان الداراني وغيرهم.
وقالوا صراحة: بأنهم لا يطيعون الله تعالى ويؤدون الواجبات خوفاً من عذاب الله ولا رغبة في جنته .. وإنما حبا لله وطلباً لقربه. أفاد ذلك الشيخ القرضاوي وغيره.
وبهذا تعلم -أخي السائل- أن المنهج الصحيح هو عبادة الله تعالى مقرونة بالخوف من عقابه والرجاء لثوابه، وأن ما سواه دخيل على الفكر الإسلامي لا يجوز للمسلم أن يلتفت إليه.
وأن ذلك لا يتنافى مع الإخلاص الذي هو أساس العبادة.
والله أعلم.