عنوان الفتوى : حكم الاحتجاج على ترك الأسباب بحديث السبعين ألفا
مدة
قراءة السؤال :
دقيقة واحدة
هناك من يحتج على ترك الأسباب بحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فما هو الرد عليهم؟
مدة قراءة الإجابة :
4 دقائق
الجواب:
هؤلاء السبعون ما تركوا الأسباب، إنما تركوا شيئين وهما: الاسترقاء والكي، والاسترقاء: هو طلب الرقية من الناس.وهذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل، وهكذا ترك الكي أفضل، لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي؛ لأن النبي ﷺ أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء، ولأنه ﷺ قال: الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي[1]، وقد كوى عليه الصلاة والسلام بعض أصحابه لما دعت الحاجة إلى الكي؛ لأنه سبب مباح عند الحاجة إليه. والاسترقاء: طلب الرقية، أما إن رقي من دون سؤال فهو من الأسباب المباحة كالأدوية المباحة من إبر وحبوب وشراب وغير ذلك. أما الطيرة المذكورة في حديث السبعين فهي التشاؤم ببعض المرئيات أو المسموعات، وهي محرمة، ومن الشرك الأصغر إذا ردت المتشائم عن حاجته؛ لقول الله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وقوله ﷺ: لا عدوى ولا طيرة[2]، وقوله ﷺ أيضا: الطيرة شرك، الطيرة شرك[3]، وقوله ﷺ لما ذكرت عنده الطيرة: أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك[4]، وروي عنه ﷺ أنه قال: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا: فما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك[5] رواه أحمد.
فعلم مما ذكرنا من الأدلة أن التوكل لا يمنع تعاطي الأسباب، فالإنسان يأكل ويشرب، فالأكل سبب للشبع ولقوام هذا البدن وسلامته، وهكذا الشرب، ولا يجوز للإنسان أن يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، وأتوكل على الله في حياتي، وأبقى صحيحًا سليمًا، فهذا لا يقوله عاقل، وهكذا يلبس الثياب الثقيلة في الشتاء للدفء؛ لأنه يضره البرد، وهكذا يتعاطى الأسباب الأخرى من إغلاق الباب حذرًا من السراق، ويحمل السلاح عند الحاجة، وكل هذه أسباب مأمور بها الإنسان. والنبي ﷺ سيد المتوكلين، في أُحُدٍ لبس السلاح وفي بَدْر كذلك، وفي أُحد ظاهر بين درعين ولبس اللامة، وعليه المغفر حين دخل مكة، وكل هذه أسباب فعلها ﷺ، وهكذا أصحابه [6].
--------------------
أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث برقم 5681. أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا عدوى برقم 5772، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة برقم 2222. أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الطيرة برقم 3910. أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب الطيرة، برقم 3919. أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبدالله بن عمرو بن العاص برقم 7005. نشر في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 46 لعام 1416 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 29/199).