عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن أصابه المرض في بعض أعضاء الوضوء
أصبت قبل فترة بمرض الجدري - عافانا الله وجميع المسلمين - وقد ظهر الكثير من الحبوب على وجهي، وقد نصحني البعض أن أبتعد عن الماء, وألا أتعرض له لأنه يؤذي، فانتقلت للتيمم بدلًا عن الوضوء بالماء، وبعض أعضاء الوضوء لا تتأذى من وصول الماء لها - مثل الفم - لكني لم أكن أغسلها, بل كنت أتيمم مباشرة ثم أصلي، ثم بعد فترة وجدت في فتاويكم أنه يجب غسل المناطق التي لا تتضرر بالماء, وأما ما يتضرر فيجزئ عنه التيمم، فأصبحت أفعل ذلك أوَضِّئ ما استطعت من جسمي ثم أتيمم، وكنت إذا توضأت ثم أردت التيمم أضطر أن أمشي فوق السجاد لأصل لجدار مغبر - عليه تراب - لكي أتيمم, فتكون قدمي قد جفت قبل الوصول، وأنشف باطن يدي لكي أتيمم, فهل يجب عليّ إعادة الصلوات؟جزيتم خيرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فلم تبين لنا - أيها السائل - من هم (البعض) الذين نصحوك بعدم استخدام الماء: هل هم أطباء، أم ممن لديهم تجربة بحصول الضرر أم لا؟
والذي علمناه من بعض الأطباء أن مريض الجدري يمكنه استخدام الماء ولا يضره إلا في بعض الحالات، فينبغي لك التأكد من الطبيب, أو من أهل التجربة في هذا المجال: هل استعمال الماء يضرك أم لا؟
فإن تبين أنه لا ضرر في استعمال الماء فتوضأ ولا تتيمم, وما صليته سابقًا بالتيمم لا تطالب بإعادته؛ لأن خوفك من حصول ضرر باستعمال الماء خوف معتبر له ما يبرره, وهو أن الخوف من استعمال الماء لمريض الجدري أمر منتشر بين الناس, بل ورد ما يفيده في حديث ضعيف السند: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيم. رواه الحاكم والبيهقي, وفقهاء المذاهب في كتبهم يمثلون للمرض المبيح للتيمم بالجدري, فالخوف منه حينئذ له ما يبرره.
وإذا ثبت أن استعمال الماء يترتب عليه الضرر حقيقة, وكان المرض قد أصابك في بعض أعضاء الوضوء دون بعض: فإن العلماء مختلفون فيمن لا يمكنه استعمال الماء في بعض أعضاء الوضوء: هل يعدل إلى التيمم - كما هو مذهب المالكية والحنفية - أو يغسل ما يمكن غسله ويتيمم عن الباقي - كما هو مذهب الشافعية والحنابلة -؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ - بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ - بَلْ إمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا, وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: بَلْ يَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ مَا أَمْكَنَهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي, وَإِذَا تَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ فَسَوَاءٌ قَدَّمَ هَذَا أَوْ هَذَا لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْوُضُوءِ أَحْسَنُ. اهــ.
والمفتى به عندنا أنه يغسل ما يمكن غسله, ويتيمم عن الباقي, ولكن إن عمل بقول المالكية والحنفية فعدل إلى التيمم, ولم يغسل ما يمكن غسله, فإنه لا حرج عليه, وصلاته صحيحة, وكذا لو عملت بقولهم من دون استفتاء, فإن صلاتك صحيحة, وقد قدمنا في الفتوى رقم: 192383 أن العامي إذا عمل عملًا دون استفتاء ووافق عمله قولًا لأهل العلم المجتهدين فإنه يجزئه ذلك, ولا يطالب بالإعادة, وانظر الفتوى المشار إليها.
وفي خصوص ما ذكرته من المشي فوق السجاد, وتنشيف باطن اليدين للتيمم: فإنه ليس من التفريق المضر في الوضوء عند من يقول بوجوب الموالاة, وراجع الفتوى رقم: 121906.
والله تعالى أعلم.