عنوان الفتوى : تعجيل الأجرة وتأجيلها
استأجرت محلاً تجارياً وقد شرط عليّ المؤجر أن أدفع نصف الأجرة السنوية مقدماً عند توقيع عقد الإجارة فوافقت على ذلك ولكن بعض الناس قالوا إن ذلك لا يجوز، فما الحكم في هذه المسألة، أفيدونا؟
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: يجوز الاتفاق بين المستأجر والمؤجر على تعجيل الأجرة وتأجيلها إلى أجل معلوم، والمرجع في ذلك هو اتفاقهما اتفاقاً واضحاً يقطع النزاع والخصومة، وعلى هذا فالاتفاق بين المؤجر والمستأجر على أن يدفع المستأجر نصف الأجرة السنوية مقدماً عند توقيع عقد الإجارة جائز.
هذا خلاصة ما جاء في فتوى فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله- بجامعة القدس بفلسطين-:
الجواب: الإجارة عند الفقهاء عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض وهو عقد مشروع بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وانعقد الإجماع على ذلك.
يقول تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهن}.
وورد في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم 1498.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري.
وعقد الإجارة يقع على المنافع، فمن استأجر بيتاً فإنه يملك منفعته فقط وهي السكنى، وعقد الإجارة لا يفيد تملك العين المؤجرة وإن طالت مدة الإجارة. فمهما طالت مدة الإجارة تبقى العين المؤجرة ملكاً لصاحبها، فلو أن شخصاً سكن في بيت بالإجارة لمدة خمسين عاماً فيبقى البيت لصاحبه ولا يصير ملكاً للمستأجر أبداً. وقد أجاز كثير من أهل العلم عقد الإجارة مشاهرة بدون تحديد وقت لانتهاء العقد.
إذا تقرر هذا فإنه يجوز الاتفاق بين المستأجر والمؤجر على تعجيل الأجرة وتأجيلها إلى أجل معلوم والمرجع في ذلك هو اتفاقهما اتفاقاً واضحاً يقطع النزاع والخصومة.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند كلامه على أحكام الإجارة: [الحكم السادس، أنه إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله وإن شرطه منجماً – أي مقسطاً – يوماً يوماً، أو شهراً شهراً أو أقل من ذلك أو أكثر فهو على ما اتفقا عليه، لأن إجارة العين كبيعها، وبيعها يصح بثمن حال أو مؤجل فكذلك إجارتها ] المغني 5/330.
وقال الكاساني الحنفي: [فأما إذا شرط في تعجيلها ملكت بالشرط وجب تعجيلها ، فالحاصل أن الأجرة لا تملك عندنا إلا بأحد معان ثلاثة:
أحدها: شرط التعجيل في نفس العقد. والثاني: التعجيل من غير شرط. والثالث: استيفاء المعقود عليه. أما ملكها بشرط التعجيل فلأن ثبوت الملك في العوضين في زمان واحد لتحقيق معنى المعاوضة المطلقة وتحقيق المساواة التي هي مطلوب العاقدين ، ومعنى المعاوضة والمساواة لا يتحقق إلا في ثبوت الملك فيهما في زمان واحد، فإذا شرط التعجيل فلم توجد المعاوضة المطلقة بل المقيدة بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم . فيثبت الملك في العوض قبل ثبوته في المعوض ; ولهذا صح التعجيل في ثمن المبيع وإن كان إطلاق العقد يقتضي الحلول ، كذا هذا ] بدائع الصنائع 4/61.
وقال الشيخ سيد سابق: [اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها: … ويصح اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها كما يصح تعجيل البعض وتأجيل البعض الآخر، حسب ما يتفق عليه المتعاقدان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم،: ” المسلمون عند شروطهم “.
فإذا لم يكن هناك اتفاق على التعجيل أو التأجيل فإن كانت الأجرة مؤقتة بوقت معين فإنه يلزم إيفاؤها بعد انقضاء ذلك الوقت. فمن أجر داراً شهراً مثلاً ثم مضى الشهر فإنه تجب الأجرة بانقضائه… وإن كان عقد الإجارة على عمل فإنه يلزم إيفاؤها عند الانتهاء من العمل.
وإذا أطلق العقد ولم يشترط قبض الأجرة ولم ينص على تأجيلها:
قال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: إنها تجب جزءً جزءً بحسب ما يقبض من المنافع. وقال الشافعي وأحمد: إنها تستحق بنفس العقد، فإذا سلم المؤجر العين المستأجرة إلى المستأجر استحق جميع الأجرة، لأنه قد ملك المنفعة بعقد الإجارة ووجب تسليم الأجرة ليلزم تسليم العين إليه. استحقاق الأجرة: وتستحق الأجرة بما يأتي:
1 – الفراغ من العمل، لما رواه ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه “.
2 – استيفاء المنفعة إذا كانت الإجارة على عين مستأجرة، فإذا تلفت العين قبل الانتفاع ولم يمض شيء من المدة بطلت الإجارة.
3 – التمكن من استيفاء المنفعة، إذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولو لم تستوف بالفعل.
4 – تعجيلها بالفعل أو اتفاق المتعاقدين على اشتراط التعجيل. ] فقه السنة 4/107-108.
وتعجيل الأجرة أمر تعارف الناس عليه منذ عهد بعيد وخاصة في المنافع المضمونة، كما هو الحال فيمن يشتري تذكرة لركوب طائرة أو سفينة أو قطار أو سيارة فإن دفع الأجرة يكون مقدماً، وكذا عند استئجار محل تجاري فقد جرى العرف عند كثير من الناس على استيفاء بعض الأجرة مقدماً، كما أن العرف قد جرى على تأخير دفع الأجرة إذا كانت الإجارة واردة على عمل الشخص كمن يستأجر عاملاً ليشتغل في أرضه مثلاً، فإن العرف قد جرى على أن تدفع الأجرة بعد أن ينتهي العامل من العمل، ومن المعلوم عند أهل العلم أن العرف معتبر، كما قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته :
والعرف لـه اعتبــار فلذا الحكم عليه قد يدار.
انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112.
وخلاصة الأمر أن الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على أن يدفع المستأجر نصف الأجرة السنوية مقدماً عند توقيع عقد الإجارة جائز، ولا حرج فيه ما دام أن الاتفاق قد تم برضا المتعاقدين.
والله أعلم.