عنوان الفتوى : الإيمان و الخواطر الشيطانية
تَرِد على فكر الإنسان خواطِر كثيرة قد يكون بعضها خطيرًا فهل يُحاسَب عليْها؟ وكيْف يتخلَّص منْها؟
إنَّ للشَّيْطان مَداخل كثيرة لإغواء الإنسان، وأشدُّ ما يهْتمُّ به العقيدة؛ لأنها إذا انحرفت انحرف السلوك كما صح في الحديث ” ألا وإنَّ في الجسد مُضْغةً إذا صَلَحت صلُح الجسد كلُّه، وإذا فسَدت فسد الجسد كلُّه ألا وهى القلْب ” رواه البخاري ومسلم.
والنفس مرْتَع خَصيب لوسوسة الشيطان، فقد تمرُّ عليها أفكار وخواطر كثيرة، بعضها يمرُّ عابرًا لا يَمْكث إلا قليلاً، وبعضُها يأخذ حيِّزًا من تفْكير الإنسان ثم يَمضي، وبعضها الآخر قد يَثبُت ويَرسُخ ويَدْفع للتَّنفيذ.
وإذا كانت هذه هي طبيعة النفس البشرية التي خَلَقنا الله عليْها فإنه ـ وهو العليم اللطيف الخبير ـ تجاوز عن كل هذه الخَواطِر ولا يُؤَاخذ عليْها؛ إلا في حالتيْن:
الأولى: إذا عزم الإنسان عليْها عزْمًا أكِيدًا وصمَّم على تنفيذها، بدليل حديث الصحيحَيْن: البخاري ومسلم ” إذا التقَى المُسْلِمان بسيْفَيْهما فالقاتل والمقْتول في النار ” قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال ” كان حريصًا على قتل صاحبه “.
والحالة الثانية: إذا نَفَّذ ما عزم على تنفيذه، وقد ثبَت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ” إنَّ الله تجاوز لأمتي عمَّا حدَّثتْ به أنْفُسَها ما لم يتكلَّموا أو يعملوا به ” رواه الجماعة في كتُبهم الستة كما قال ابن كثير في تفسيره.
ومحلُّ المؤاخذة على العزْم على السَّيِّئة، وإن لم يَفعلْها، إذا كان المانع من فِعْلها عَجْزًا أو خوفًا من رَقيبٍ من الناس، لكن إذا كان المانع من تنفيذ ما عزَم عليه خوفًا من الله فلا يُؤاخِذه، بل قد يُعْطيه ثوابًا على مُجَاهدة نفسه، وبهذا يُوفَّق بين ما قد يكون في بعض النُّصوص من تَضارُب في الظاهر.
بعد هذا نقول : إن من خواطر السُّوء ما جاء في صحيح مسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
” يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول له: مَن خَلق كذا وكذا؟ حتَّى يقول له: مَن خَلَق ربَّك، فإذا بلغ ذلك فلْيَستعذْ بالله ولْيَنْتَهِ ” وقد سُئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الوَسْوسة فقال ” تلك محْض الإيمان ” وفي رواية ” صريح الإيمان “. بمعنى أنَّ الخوف من هذه الوسوسة يدلُّ على الإيمان الخالص، لا أن الوسوسة تكون من الإيمان.
وقد بيَّن الحديثُ الدواءَ الناجِعَ لهذه الوسوسة، وهو الاستعاذة بالله والانتهاء عن التَّمَادِي فيها والرُّكون إليها، وذلك من وحي قوله تعالى ( وإمَّا يَنْزَغَنَّكّ مِن الشَّيطان نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالله إنَّه سَمِيعٌ عَلِيم ) ( الأعراف : 200 ).
وإذا استعاذ الإنسان الضعيف بالله القوىِّ كان ذلك دليلاً على عبوديته الخالصة له، والله يَقول للشَّيطان الذي أقْسم أن يُغْوِيَ الناس أجمعين ( إنَّ عِبادي ليس لك عليهم سلطان ) ( الحجر : 42 )، ويوضِّح هذا ما حُكى عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تَصْنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخَطايا؟ قال: أُجاهِده. قال: فإنْ عاد؟ قال: أُجاهِده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، قال: أرأيت لو مررْت بغَنَمٍ يَنْبَحُك كلْبُها ومنَعك من العُبور ما تصْنع؟ قال: أكابده وأردُّه جَهْدي قال: هذا يطول عليك، لكن استَغِثْ بصاحب الغنم يَكفَّه عنك. فالاستعانة بالله القويِّ سبيلٌ لطرْد وَسَاوِسِ الشَّيْطان.