عنوان الفتوى : كيف يتعاملن مع أبيهن الذي يشنع عليهن وعلى أمهن ويسبهن ويتهمهن بالفاحشة ؟
هل يجوز أن نتحمل ونصبر على أب يلفظ أبشع الألفاظ لبناته ، مع اتهام والدتهن بالزنا ، والتشكيك بنسهن له ، بل وينشر أكذوبة الزنا للغرباء ، لدرجة التشكيك بنا ، وتعرضنا للتحرش بسببه ؟
الحمد لله.
أولا :
إذا ثبت ما تقولينه فتلك والله بلية نكراء ، وداهية دهياء ، والواجب التعامل معها بالحكمة والكياسة ، وملاحظة أبعادها من جميع جوانبها .
أما قذف الزوجة ورميها بالفاحشة بغير حق : فكبيرة من الكبائر .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (132559) أن الزوجة إذا طالبت بحقها الشرعي في ذلك ، ( وهو إقامة حد القذف على الزوج ) فيلزم الزوج أحد أمرين : إما أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على الزنا ، وإما أن يلاعن زوجته ، فإن لم يفعل واحدا من الأمرين : استحق أن يجلد حد القذف ، ثمانين جلدة ، وحُكم بفسقه ، وردت شهادته .
وإذا كان الزوج بهذه الحال ،
فللزوجة الحق في طلب الطلاق منه ؛ وذلك لفسقه وفحشه وتعديه حدود الله .
ينظر جواب السؤال رقم : (101912)
.
وإن رأت أن بالإمكان تقويمه ، ورأت المصلحة في بقائها معه : فلها ذلك .
وأما ما ذكر في السؤال من
حاله مع بناته ، وقذفهن ، والتشكيك بنسبهن : فهو شر وأضل سبيلا ، وأبعد عن الفطر
والسوية ، وإذا كانت قوامة الأب على أبنائه وأهل بيته ، تقتضي منه الحفاظ عليهن ،
ورعايتهن ، والذب عن عرضهن ؛ فكيف يكون الحال إذا كان العدوان منه :
وراعي الشاةِ : يحمي الذئبَ عنها * فكيف إذا الرعاةُ لها ذئاب ؟!
ثانيا :
الواجب عليكم الآن : أن تسعوا في نصحه ووعظه ، بما يصلح مع مثل هذا الرجل من زوجته
وبناته ، وأن تذكروه بالله ، وتخوفوه من عقوبته في الدنيا والآخرة ، وأن تستعينوا
في ذلك بأولى العقل والدين والحكمة من الأقارب والمعارف .
ومهما نالكم من أذى ، أو ضر
، فاجتهدوا في دفعه عنكم بما تستطيعون ، واستعينوا بالله واصبروا : ( فَإِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ، ولا نرى لكم -خاصة بناته
وأبنائه - أن يعجلوا بالدعاء عليه ، فهو - مهما فعل وقال - والد لكنّ ؛ بل ادعوا
الله له بالهداية ، وادعوا الله أن يقيكن شره ؛ فعسى الله أن يرزق بناته بأزواج
صالحين يخرجوهن من هذا البلاء ، ويخلصوهن مما هن فيه .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ... وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى
مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ
الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) رواه أحمد (2800)
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6806) .
وعليهن الحرص على الحجاب ، وإظهار حالهن من التستر والعفاف للناس ، ويستعن بالله أن يذب عن أعراضهن ، ويظهر شرفهن وبراءتهن .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله
:
" إنني متزوجة منذ حوالي 25 سنة ولدي العديد من الأبناء والبنات ، وأواجه كثيرا من
المشاكل من قبل زوجي ، فهو يكثر من إهانتي أمام أولادي وأمام القريب والبعيد، ولا
يقدرني أبدا من دون سبب ولا أرتاح إلا عندما يخرج من البيت ، أرجو أن تدلوني على
الطريق السليم .
فأجاب : " الواجب عليك الصبر ، ونصيحته بالتي هي أحسن ، وتذكيره بالله واليوم الآخر
لعله يستجيب ويرجع إلى الحق ويدع أخلاقه السيئة ، فإن لم يفعل فالإثم عليه ولك
الأجر العظيم على صبرك وتحملك أذاه ، ويشرع لك الدعاء له في صلاتك وغيرها بأن يهديه
الله للصواب ، وأن يمنحه الأخلاق الفاضلة ، وأن يعيذك من شره وشر غيره .
وعليك أن تحاسبي نفسك ، وأن تستقيمي في دينك ، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد
صدر منك من سيئات وأخطاء في حق الله أو في حق زوجك أو في حق غير ه، فلعله إنما سلط
عليك لمعاص اقترفتيها.
لأن الله سبحانه يقول : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ولا مانع أن تطلبي من أبيه أو أمه أو إخوته
الكبار أو من يقدرهم من الأقارب والجيران أن ينصحوه ويوجهوه بحسن المعاشرة " انتهى
من "مجموع فتاوى ابن باز" (8/ 395) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (136489)
.
والله تعالى أعلم .