عنوان الفتوى : أخذ الطبيب عمولة من شركات الأدوية
ذات مرة بعثت لكم بسؤال عن حكم أخذ الطبيب مالا لقاء الدواء الذي يكتبه للمريض وقد أحلتوني إلى فتوى أخرى وقد استفدت ولله الحمد ولكنني قرأت بعض الفتاوى في موقعكم، وعندما قلت لوالدتي إن هذا المال حرام وهو رشوة قالت لي أنا أكتب هذا الدواء وهو فعال وأنا لا أكتبه لجميع المرضى بل فقط للذين يحتاجونه وسعره أرخص من باقي الأدوية ولو أنني لا آخذ نسبة على كتابته مع ذلك لكتبته لأنه دواء يحتوي على أعشاب والدواء الثاني عندما مرضت استعملته وقلت لها هذا يؤذي شركات الدواء الأخرى وقد قرأت بعض الفتاوى في موقعكم عن هذا الأمر وهي كما في النص الذي نسخته: وأما ما يعطى للأطباء من المال مقابل أن يكتبوا للمرضى منتجات تلك الشركة فغير جائز، لأنه إما أن يكتب الطبيب ذلك الدواء للمريض، وهناك دواء أنفع منه، وهذا غش للمريض وخيانة، وإما أن يكون ذلك سبباً للوقوع في هذا الغش فيمنع سداً للذرائع ـ فمثلاً لو كتب الطبيب هذا الدواء وهو يعلم أنه ينفع المريض ومناسب لحالته الصحية، فهل هذا المال يعتبر حلالاً أم أنه حرام سداً للذرائع أي أن الطبيب إذا راعى أن يكون هذا الدواء مناسبا للمريض ونافعا له، فهل يكون المال حلالا؟ أرجو الإجابة بدقة لأن والدتي بإذن الله ستقرأ الفتوى مع التفصيل الكامل وهناك بعض الناس في الموقع سيقرؤون الفتوى فأرجو أن تكون الإجابة واضحة مع ذكر الأدلة، وأختي قالت لأمي اعتبري نفسك لست متعاملة مع الشركة واكتبي الدواء لكل مريض يحتاج الدواء ـ أي لا على التعيين ـ وما يأتيك من نسبة فخذيها، وأنا صراحة أريد جوابا شافيا وهذا المال إن كان حراما فإن أرادت أمي أن تتوب فماذا تفعل؟ وقد اشترينا بعض الملابس فهل نلبسها أم نتخلص منها هي وبعض الأشياء؟ وما حكم مال الرشوة بعد التوبة؟ أرجو التركيز لأن أمي قالت لي إنها لا تكتب الدواء إلا لمن هو محتاج ويكون الدواء مفيدا له ويمكن أن يكون هناك دواء أنفع منه وهو مفيد وسعره رخيص وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من منع الطبيب من أخذ عمولة من شركات الأدوية مقابل إحالة المرضى عليها مطلقا، هو ما استقرت عليه الفتوى عندنا في الموقع، وقد بينا العلة وهي أنه لو فتح هذا الباب لعم الفساد ولتنافست الشركات في اجتذاب الأطباء... والمتضرر من هذه المنافسة هو المريض أولاً وآخراً، فيتضرر بأن يوصف له دواء وغيره أفضل منه، ويتضرر كذلك بارتفاع ثمن الدواء، لأن ما يأخذه هؤلاء الأطباء يتحمله في النهاية المريض، ولو سلم طبيب من ذلك الغش وكان لا يصف الدواء إلا إذا كان أفضل من غيره ولمن يحتاجه فغيره لن يراعي ذلك، فيمنع الجميع سدا للذريعة، وأصل سد الذرائع الذي هو منع الأمر المباح في الأصل أو الظاهر لكونه يتوصل به إلى حرام أو يؤول إليه، إنما ينظر فيه إلى الغالب، فالله عز وجل منع سب آلهة المشركين لئلا يسبوا رب العالمين؛ وإن كان هذا قد يحصل من بعض ولا يحصل من غيره، قال تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}.
وانظري الفتويين رقم: 22443، ورقم: 103221.
وأما ما اكتُسب من ذلك الفعل مع الجهل بحرمته فلا حرج على مكتسبه في الانتفاع به أو بما استهلكه فيه من ثياب أو غيرها على الراجح؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}.
وانظري الفتوى رقم: 137729.
لكن من شروط تمام التوبة الإقلاع عن المعصية والندم عليها.
وما اكتسبه الإنسان من ذلك عالما حرمته فإنه يتخلص من قدره في وجوه البر ومصالح المسلمين، ولا يلزمه أن يبيع أو يتخلص من الأشياء التي اشتراها بذلك المال كالملابس وغيرها، بل ينظر في قدر المال الحرام ويخرج مثله في وجوه البر ولا حرج أن ينتفع بتلك الأشياء، وكهذا يفعل في كل مال حرام لكسبه كالرشوة والفوائد الربوية ونحو ذلك.
والله أعلم.