عنوان الفتوى : كف الصائم عن الكلام ليس على إطلاقه
هل من مستحبات الصيام عدم كثرة الكلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن حفظ اللسان من اللغو وما لا ينفع من القول من أهم المقاصد الشرعية، وهذا متأكد في كل وقت، وهو في نهار الصوم أشد تأكدًا؛ ولهذا نص الفقهاء على أن الصائم يسن له حفظ لسانه, وكفه عما يكره من الكلام، فليست كثرة الكلام في الصوم أو غيره مذمومة بإطلاق, وإنما يذم من ذلك ما لم تظهر فيه مصلحة شرعية، وأما الكلام بذكر الله ونحوه مما ظهرت مصلحته فهو حسن مأمور به، جاء في الروض مع حاشيته: وسن - أي في الصوم - كثرة قراءة, وذكر, وصدقة, وكف لسانه عما يكره, فيسن له أن يسعى في حفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا ما ظهرت فيه مصلحته، قال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت»’ وعن المباح لقوله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. انتهى.
وحكمة ذلك أن الله تعالى إنما منع عباده من شهوة البطن والفرج ليحملوا أنفسهم على طاعته حملًا, ويجتنبوا ما هو محظور ممتنع فعله بأصل الشرع في غير أوان الصوم، وهذا كلام نفيس لابن رجب - رحمه الله - حول هذا المعنى، يقول في لطائف المعارف: واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور, والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" خرجه البخاري, وفي حديث آخر: "ليس الصيام من الطعام والشراب, إنما الصيام من اللغو والرفث", وقال الحافظ أبو موسى المديني: على شرط مسلم, قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام, وقال جابر: إذا صمت: فليصم سمعك, وبصرك, ولسانك عن الكذب والمحارم, ودع أذى الجار, وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك, ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. انتهى.
والله أعلم.