عنوان الفتوى : تولي المرأة القضاء
سمعنا كثيرا عن تولي المرأة للقضاء وهل يجوز ذلك حتى صار الأمر واقعا بالفعل فنريد رأيا مفصلا في الموضوع؟ ولكم جزيل الشكر.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فمسألة عمل المرأة في القضاء صار واقعا في كثير من بلدان الإسلام بحكم عدة قوانين متلاحقة، وهذا الواقع يثير عددا ممن الأسئلة الفقهية التي تترتب عليه ، منها ما يتصل بتوصيفه، وبيان حقيقته، ومنها ما يتصل بالجدوى منه، ومنا ما يتصل بفرضه قانونا، هذا فضلا عن حكم المسألة الفقهي وما به من سجالات بين المجيزين والمانعين.
فهل بالفعل بدون العولمة وبدون حقوق الإنسان العالمية كان يمكن للمرأة في الإسلام أن تتبوأ هذه المنزلة، وهل يمكنها أن تكون قاضية بدون القرار السيادي؟ وهل نضج الواقع حتى يؤهل المرأة للقضاء من ذات نفسه لكفاءتها دون أن يفرض على الناس؟ وأي نوع من القضاء تتولاه المرأة هل القضاء العادي بكل درجات التقاضي فيه، أم الإداري، وما له من سلطة عليا؟ وماذا لو عينت المرأة وحكمت هل حكمها يعد نافذا؟ وما رأي القانونيين في تعيين المرأة في القضاء الإداري؟
وسنعرض الآن لرأي بعض المجيزين، ورأي بعض المانعين، ثم نرجح بينهما، ونعرض لرأي القانونيين في المسألة.
أولا: المجيزون لتولى المرأة للقضاء:
بقراءة الواقع نجد أنه في الفترة الأخيرة أجاز الكثيرون للمرأة أن تكون قاضية، ومنهم:
فضيلة الدكتور القرضاوي -حفظه الله- حيث يقول في فتوى عن تولي المرأة للقضاء على إسلام أون لين:
بالنسبة لتولي المرأة منصب القضاء ، فقد أجاز أبو حنيفة أنتتولى القضاء فيما تجوز شهادتها فيه، أي في غير الأمور الجنائية، وأجاز الطبري وابنحزم أن تتولى القضاء في الأموال وفي الجنايات وغيرها.
وجواز ذلك لا يعني وجوبه ولزومه، بل ينظر للأمر في ضوء مصلحةالمرأة، ومصلحة الأسرة، ومصلحة المجتمع، ومصلحة الإسلام، وقد يؤدي ذلك إلى اختياربعض النساء المتميزات في سن معينة، للقضاء في أمور معينة، وفي ظروف معينة.أ.هـ
وهذا يعني أنه ربط الإجازة بالمصلحة العامة، وبسن المرأة ، وتميزها.
والأستاذ الدكتور على محيي الدين القره داغي أستاذ ورئيس قسم أصول الفقه بجامعة قطر في بحثه الذي نشر في صفحة فتاوى الناس ، حيث وضع مجموعة من الشروط لإباحة تولي المرأة منصب القضاء فقال:”هناك رأي معتبر داخل المذاهب الأربعة وهو رأي الحنفية وبعض المالكية بجواز قضاء المرأة في غير الحدود والقصاص، ورأي معتبر آخر لابن حزم، وهو مروي عن شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، ومن هنا فالقول بأن قضاء المرأة ممنوع بالإجماع قول غير صحيح.
وما يظهر لنا من رجحان هو القول بجواز أن تتولى المرأة القضاء إذا توفرت فيها الشروط الآتية:
1- أن تتوافر في المرأة المراد تقليدها القضاء الشروط المطلوبة في القضاة، من أهلية القضاء من رجحان العقل، والاتزان، وسلامة الحواس، ومن العدالة والاستقامة على طريق الحق، والقدرة على الوقوف أمام الباطل من خلال شخصية قوية متزنة، إضافة إلى العلم بالأحكام الشرعية لأن القاضي الجاهل في النار- كما ورد ذلك في الحديث.
2- أن تهيئ للقاضيات الأجواء التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة.
3- أن لا يكون هذا المنصب على حساب تربية أولادها والحقوق المتبادلة بينها وبين زوجها.
وبهذا الشرط يرد على من يقول: إن النساء مشغولات بالتربية وحقوق الأزواج وذلك لأن هناك عددا من النساء العالمات اللاتي لسن مشغولات بالأزواج، ولا بالأولاد إما لأنهن وصلن إلى سن معينة، أوانهن ليس لديهن هذه المشكلة أساسا. والمرأة في ذلك لا تختلف عن الرجال إذا أهملوا حقوق الأولاد والزوجات.أ.هـ
فإجازته لقضاء المرأة ترجيحا لرأي الحنفية وبعض المالكية وابن حزم، وابن جرير الطبري ليست مطلقة ولكنه ربطها بشروط أيضا منها الأهلية، والأجواء المناسبة التي لا تتعارض مع الشريعة، وألا يكون على حساب واجب عليها.
ثانيا: المانعون لتولى المرأة للقضاء:
يمنع من تولي المرأة للقضاء جمهور الفقهاء، ويستدلون بكثير من الأدلة التي يذهبون من خلالها على منع تولية المرأة القضاء.
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق رحمه الله في فتوى عن تولي المرأة للقضاء على إسلام أون لين:
تَولية (المرأة) منصب القضاء وهو غير جائز ، وذلك كرأي الجمهور.
وأختار رأي الجمهور، وأنصحُ المرأة أن تبعد عن هذه المجالات الدقيقة المحتاجة إلى فكر عميق ودراسة واعية ووقت طويل، وهيب طبيعتها ومهمتها الأساسيّة تتحمل ما لا يطاق، مع عدم وجود ضرورة تدعو إلىالمُزاحمة في هذا المجال فالجَديرون به كثير، والمجالات الأخرى المناسبة لها كثيرة وفي غاية الأهمية، ولا يصلح المجتمع إلا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، أماإذا وُسَّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيَّعت الأمانة وقرُبت الساعة.أ.هـ
وخلاصة رأي المانعين أن القضاء مهنة شاقة لا تتناسب مع المرأة حيث إنها لا تكاد تبين، خاصة في الخصام، وأنه ليس هناك ضرورة تدعو لذلك، وأن فيه من الولاية ما يصطدم بقوله –صلى الله عليه وسلم-: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
ماذا لو تولت المرأة للقضاء هل حكمها يكون نافذا عند المانعين؟
فرق العلماء بين ما تصح فيه شهادة المرأة و ما لا تصح، فأجازوا قضاءها فيما يصح، حتى لو أثم الحاكم في توليتها :” إذا أثِم الحاكم فيتوليتها فحكمت فإنَّ حكمها ينفذ إلا في الأمور التي لا تصح شهادتها فيها، وهيالحدود والقصاص ” فتح القدير للكمال بن الهمام ج5 ص486″.
رأي القانونيين في توليها للقضاء الإداري:
يقول المستشار الدكتور البيومي محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة بمصر :” بعد البحث والتمحيص انتهيت من دراسة أدلة المانعين لتولي المرأة للقضاء ورجحت أراء المجوزين لذلك، وعلى رأسهم الإمام ابن القاسم أنجب تلاميذ مالك وكذا الحسن البصري وابن جرير الطبري وغيرهم قديما وحديثا معظم الفقهاء والقضاة الباحثين..فضلا عن أن مجلة الأحكام العدلية لم تشترط الذكورة في تولي القضاء.
أما من الناحية القانونية فلم نجد حتى الآن نصا قانونيا في العالم أجمع يمنع ذلك فهذا هو الدستور المصري الذي ينص في المادة الأولى منه على مبدأ “المواطنة” وقد قلنا إنه مبدأ إسلامي تقرر لأول مرة في دستور المدينة المنورة عند قيام عند قيام الدولة الإسلامية الأولى.. ولما كان ذلك فعليه ينبغي أن نحذو حذو القضاء العادي وتتبوأ المرأة المصرية مكانها في القضاء الإداري..خاصة أن طبيعة عمل الأخير أنسب لها، فهناك “هيئة المفوضين” وقسم الفتوى تتدرب فيهما ثم تجلس على منصة القضاء الإداري، ومنه القضاء التأديبي وتنتهي هذه القصة، إذ يعد من قمة الملائمات الآن وأنسبها”.أ.هـ نقلا عن جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 27-4-2007م ص 32
وخلاصة الرأي عندي:
أن مسألة قضاء المرأة من قديم الزمن مسألة خلافية بين الفقهاء، وجمهورهم يرجح عدم تولي المرأة القضاء، لأنه ليس مناسبا لها، إما لطبيعتها أو طبيعة العمل نفسه، وما يحتاجه من جهد وعقل حاضر، وأعباء المرأة وواجباتها قد ينقص من تركيزها في ذلك، وكذلك لإلحاق بعضهم القضاء بالولاية.
والمجيزون رجحوا ذلك لأنه ليس هناك نص قطعي في ثبوته ودلالته يمنع تولي المرأة القضاء، وتوسط آخرون أن تكون قاضية فيما تصح شهادتها فيه.
وأرى أن هناك فرقا بين حكم فقهي يحتمل مجموعة من الخيارات لتنزيلها على الواقع، وبين فتوى تخص عصرا من العصور، والفتوى الآن اتجهت لمؤثرات خارجية، وداخلية إلى أن ترجح حكما كان مرجوحا لدى جمهور الفقهاء القدامى، وذلك لاختلاف طبيعة العمل، ووجود ضوابط تخرجه عن التحرج الفقهي القديم، وأرى بأنه لا مانع من تولي المرأة للقضاء، ما دامت مؤهلة لذلك، خاصة أنها في المنظومة القضائية الحديثة هي مجرد ناقل للقانون ومطبق له إلا فيما ندر مما يخول لها حق الاجتهاد وهو أيضا مقيد، ومع التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، وانضباطها بآداب الإسلام في خروجها وخلوتها، وكلامها، واختلاطها.
والله أعلم.